وقد نقل الإجماع على هذا جماعة من العلماء، منهم الإمام الشافعي، والحافظ ابن عبد البر، والعلامة ابن رشد في آخرين من أهل العلم.
ومستند الإجماع حديث أبي هريرة وزيد بن خالد.
إذا تبين هذا: نقول: ثم اختلف أهل العلم في الأمة غير المتزوجة، هل تحد كالمتزوجة أم لا؟؟؟؟
قال العلامة ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 327):
((واختلفوا إذا لم تتزوج، فقال جمهور فقهاء الأمصار: حدها خمسون جلدة.
وقالت طائفة: لا حد عليها، وإنما عليها تعزير فقط، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.
وقال قوم: لا حد على الأمة أصلاً.
والسبب في اختلافهم الاشتراك الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى {فإذا أحصن} فمن فهم من الإحصان التزوج وقال بدليل الخطاب، قال: لا تجلد الغير متزوجة،ومن فهم من الإحصان الإسلام جعله عاما في المتزوجة وغيرها.
واحتج من لم ير على غير المتزوجة حداً بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن النبي عليه الصلاة السلام سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟؟ فقال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير))). اهـ.
وعلى هذا فالخلاف بين العلماء إنما هو في حق غير المزوجة، أما المزوجة فحدها خمسون جلدة.
ومنشأ النزاع:إنما هو في الخلاف في معنى الإحصان، وهل المراد به التزويج أم الإسلام؟؟
وهو مبنيٌ على الخلاف في قراءة (أحصن) هل هي بالضم كما ذهب ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، وعليه فالمعنى: تزوجن.
أم بالفتح: كما قرأ ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، وعليه فالمعنى: أسلمن.
[ينظر: تفسير ابن كثير]
ولا يذكر ههنا ما ذكره أحد الأخوة في أن المراد بمعنى الإحصان العفة!!!
فالإحصان في الآية على قول الجمهور يراد به: الإسلام، وبناءً عليه: ذهبوا إلى أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواءٌ أكانت مسلمة أم كافرةً، مُزوجةً أم بكراً.
وأما من قال بالتزويج (وهم جماعة من أهل العلم؛ منهم ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام)، فقالوا: بأن الأمة إذا زنت ولم تتزوج فلا حد عليها، وإنما تضرب تأديباً.
[ينظر في أدلتهم وتوجييهم لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد إلى ما ذهبوا إليه = تفسير ابن كثير].
وأما ما استشكله السائل من الآية، فأنقل له هنا ما قاله الجصاص في فائدة ذكر الله للإحصان، لعل في ذلك جواباً لإشكاله، وإراحةً لفؤاده:
قال العلامة الجصاص الحنفي في أحكام القرآن (3/ 124):
((فإن قيل: فما فائدة شرط الله الإحصان في قوله {فإذا أُحصن} وهي محدودة في حال الإحصان وعدمه؟؟
قيل له: لما كانت الحرة لا يجب عليها الرجم؛ إلا أن تكون مسلمة متزوجة = أخبر الله تعالى أنهن - أي الإماء - وإن أحصن بالإسلام وبالتزويج، فليس عليهم أكثر من نصف حد الحرة،ولولا ذلك لكان يجوز أن يُتَوهم افتراقُ حالها في حكم وجود الإحصان وعدمه؛ فإذا كانت محصنة يكون عليها الرجم، وإذا كانت غير محصنة فنصف الحد؛ فأزال الله تعالى توهم من يظن ذلك وأخبر أنه ليس عليها إلا نصف الحد في جميع الأحوال، فهذه فائدة شرط الإحصان عند ذكر حدها، ولما أوجب عليها نصف حد الحرة مع الإحصان علمنا أنه أراد الجلد إذ الرجم لا ينتصف)).