تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله علي ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين. وغفر الله جل وعلا له لأنه شك في بعض أفراد القدرة والتي هي راجعة إلى شيء من معنى الربوبية كذلك قال جل وعلا عن حواريي عيسى?هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ? [المائدة:112]، وأُجيبوا ولم يؤاخذوا بكلمتهم تلك؛ لأنها شك في بعض أفراد القدرة, وهذا راجع إلى شك في بعض مقتضيات الربوبية, أما العبادة لغير الله جل وعلا فهي التي لا يُقبل من أحد أن يصرف شيئا منها لغير الله, قال جل وعلا ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ? [النساء:116]، وعيسى عليه السلام قال لقومه?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ? [المائدة:72] وقال جل وعلا لعيسى في آخر السورة؛ سورة المائدة: ?يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ? [المائدة:116 - 117] إلى آخر الآيات, المقصود من هذا أن ما قاله شيخ الإسلام وجماعة, أن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله, هذا صحيح ومتّجه، ولهذا قدمت في سورة الفاتحة العبادة على الاستعانة؛ لأنها أعظم شأنا وأجل خطرا لأنها هي التي وقع فيها الابتلاء, ولهذا كان حريا بأهل الإيمان أن يعتنوا بأمر إخلاص القلب لله جل وعلا, وتوجُّه المرء في عباداته وعبودياته لله وحده دون ما سواه.

ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 08 - 05, 02:20 ص]ـ

قال ابن حجر في الفتح (كتاب أحاديث الأنبياء) في شرح هذا الحديث:" ... قوله: (فوالله لئن قدر الله علي) في رواية الكشميهني ” لئن قدر علي ربي ” قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله، قال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك؛ ورده ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقا، وإنما قيل إن معنى قوله ” لئن قدر الله علي ” أي ضيق وهي قوله: (ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق، وأما قوله ” لعلي أضل الله ” فمعناه لعلي أفوته، يقال ضل الشيء إذا فات وذهب، وهو كقوله: (لا يضل ربي ولا ينسى) ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربك، ويكون قوله ” لئن قدر علي ” بتشديد الدال أي قدر علي أن يعذبني ليعذبني، أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلعه شرائط الإيمان، وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه، وأبعد الأقوال قول من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر ... ".

ـ[أبو تميم المصري]ــــــــ[16 - 08 - 05, 02:34 ص]ـ

....... (رحم اللهُ إمرءٍ عرف قدر نفسه)

ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 08 - 05, 02:44 ص]ـ

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث:" اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا على أنه أراد نفي قدرة الله فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر، وقد قال في آخر الحديث أنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالى والكافر لا يخشى الله تعالى ولا يغفر له، قال هؤلاء: فيكون له تأويلان: أحدهما أن معناه لئن قدر علي العذاب أي قضاه يقال منه قدر بالتخفيف وقد بالتشديد بمعنى واحد. والثاني أن قدر هنا بمعنى ضيق علي قال الله تعالى فقدر عليه رزقه وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {فظن أن لن نقدر عليه} وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها، بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع بحيث هب تيقظه وتدبر ما يقوله فصار في معنى الغافل والناسي، وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته أنت عبدي وأنا ربك فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو، وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم فلعلي أضل الله أي أغيب عنه، وهذا يدل على أن قوله لئن قدر الله علي ظاهره، وقالت طائفة: هذا من مجاز كلام العرب وبديع استعمالها يسمونه مزج الشك باليقين كقوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى} فصورته صورة شك والمراد به اليقين، وقالت طائفة: هذا الرجل جهل صفة من صفات الله تعالى، وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة قال القاضي: وممن كفره بذلك ابن جرير الطبري وقاله أبو الحسن الأشعري أولاً، وقال آخرون: لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحدها، وإليه رجع أبو الحسن الأشعري وعليه استقر قوله لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه ويراه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق. قال هؤلاء: ولو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلاً. وقالت طائفة: كان هذا الرجل في زمن فترة حين ينفع مجرد التوحيد ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}. وقالت طائفة: يجوز أنه كان في زمن شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر بخلاف شرعنا وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة وإنما منعناه في شرعنا بالشرع وهو قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به» وغير ذلك من الأدلة والله أعلم. وقيل إنما وصى بذلك تحقيراً لنفسه وعقوبة لها لعصيانها وإسرافها رجاء أن يرحمه الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: «أسرف رجل على نفسه» أي بالغ وعلا في المعاصي، والسرف مجاوزة الحد.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير