ـ[محمد الأمين]ــــــــ[11 - 09 - 08, 09:56 م]ـ
قال البيهقي (وكان يعقوب بن سفيان الفارسي يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة ويعدها مما خولف فيه وزيد ثقة إلا أن الخطأ غير مأمون والله يعصمنا من الزلل والخطايا بمنه وسعة رحمته) انتهى
سبحان الله زيد بن وهب ثقة مخضرم كاد يكون صحابياً بل أثبت له ابن حزم صحبة. فكيف يطعن به؟ وبأي حجة؟ فإن قيل حتى الصحابي معرض للخطأ فنقول: نعم، لكن لا يجوز تخطئته إلا بدليل، وهو متعذر هنا.
يقول العلامة ابن القيم رداً على ما ذكره البيهقي: وفيما قاله نظر،فإن الرواية لم تتظاهر عن عمر بالقضاء،وإنما جاءت من رواية علي بن حنظلة عن أبيه،وكان أبوه صديقا لعمر،فذكر القصة وقال فيها: " من كان أفطر فليصم يوما مكانه " ولم أر الأمر بالقضاء صريحا إلا في هذه الرواية وأما رواية مالك فليس فيها ذكر للقضاء ولا لعدمه،فتعارضت رواية حنظلة ورواية زيد بن وهب،وتفضلها رواية زيد بن وهب بقدر ما بين حنظلة وبينه من الفضل. وقد روى البيهقي بإسناد فيه نظر عن صهيب: أنه أمر أصحابه بالقضاء في قصة جرت لهم مثل هذه. فلو قدر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء،لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم،ولو أكل نسيا لصومه لم يجب عليه قضاؤه والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي،فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله،وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثار فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل المخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة. وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه،فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحبابا،فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه؟ وفساد صوم الناسي أولى منه،لأن فعله غير مأذون له فيه،بل غايته أنه عفو،فهو دون المخطئ الجاهل في العذر.
وبالجملة: فلم يفرق بينهما في الحج،ولا في مفسدات الصلاة كحمل النجاسة وغير ذلك،وما قيل من الفرق بينهما بأن الناسي غير مكلف والجاهل مكلف،إن أريد به التكليف بالقضاء فغير صحيح،لأن هذا هو المتنازع فيه،وإن أريد به أن فعل الناسي لا ينتهض سببا للإثم،ولا يتناوله الخطاب الشرعي فكذلك فعل المخطئ،وإن أريد أن المخطئ ذاكر لصومه مقدم على قطعه،ففعله داخل تحت التكليف بخلاف الناسي فلا يصح أيضا لأنه يعتقد خروج زمن الصوم،وأنه مأمور بالفطر،فهو مقدم على فعل ما يعتقده جائزا،وخطؤه في بقاء اليوم كنسيان الآكل في اليوم فالفعلان سواء فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر؟! وأجود ما فرق به بين المسألتين: أن المخطئ كان متمكنا من إتمام صومه بأن يؤخر الفطر حتى يتيقن الغروب بخلاف الناسي فإنه لا يضاف إليه الفعل،ولم يكن يمكنه الاحتراز،وهذا - وإن كان فرقا في الظاهر - فهو غير مؤثر في وجوب القضاء،كما لم يؤثر في الإثم اتفاقا،ولو كان منسوبا إلى تفريط للحقه الإثم،فلما اتفقوا على أن الإثم موضوع عنه دل على أن فعله غير منسوب فيه إلى تفريط،لا سيما وهو مأمور بالمبادرة إلى الفطر،والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين،وهو النسيان في مسألة الناسي وظهور الظلمة وخفاء النهار في صورة المخطئ،فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان ومعناه أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار ولهذا قال صهيب: " هي طعمة الله "،ولكن هذا أولى،فإنها طعمة الله إذنا وإباحة وإطعام الناسي طعمته عفوا ورفع حرج،فهذا مقتضى الدليل.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[11 - 09 - 08, 10:20 م]ـ
وهذه الراوية مخالفة للمشهور عن عمر بن الخطاب
مشهور؟!
الذي أعلمه أن الأثر ورد بثلاثة ألفاظ عن عمر أنه قال
الأول: (الخطب يسير نقضي يوما) ورجح هذا اللفظ البيهقي انتصاراً لمذهبه. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (24
154) عن البيهقي: «ورآه أهل العلم: لا يستوفي الآثار التي لمخالفيه، كما يستوفي الآثار التي له. وأنه يحتج بآثار لو احتج بها مخالفوه، لأظهر ضعفها وقدح فيها. وإنما أوقعه في هذا -مع علمه ودينه- ما أوقع أمثاله ممن يريد أن يجعل آثار النبي موافقة لقول واحد من العلماء دون آخر. فمن سلك هذه السبيل، دحضت حججه، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق. كما يفعل ذلك من يجمع الآثار ويتأوّلها -في كثير من المواضع- بتأويلات يَبينُ فسادها، لتوافق القول الذي ينصره».
الثاني: أنه قال (لا نقضي) ورجح هذا اللفظ شيخ الإسلام وتلميذه ابن كثير في مسند الفاروق، وهو الصواب لأن زيداً أوثق وأفضل من خنظلة
الثالث: أنه قال (الخطب يسير) تأوله مالك ومن تابعه على أن مراده القضاء، والفريق الآخر تأوله على أن المراد عدم القضاء، وهو الراجح لأنه ظاهر اللفظ
إذا هناك ثلاثة ألفاظ واحد منها محتمل فسقط الاحتجاج به، والثاني حجة لنا، والثالث حجة لكم. فكيف يتم تحديد المشهور؟ إن كان هناك لفظ رابع فأفدنا به بارك الله بك فإني بعيد عن معظم المراجع
والأصح عن عمر عدم القضاء لأن هذا هو الموافق للقياس وهو الموافق للحديث المرفوع الذي أخرجه البخاري. قال ابن القيم: "فلو قدر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء". وهو اختيار شيخنا عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله.
¥