إن الرد اليوم قد يكون بالإدلاء بصوت ينصر الحق في استفتاء يجريه مبطل في فضائية أو موقع، فإذا كثرت أصوات أهل الحق حتى غلبت أصوات أهل الباطل كان لذلك أثر حسن في رد باطل المبطل. وقد يكون الرد بطلب يكتبه أهل الحق ويحشدون له أكبر عدد من التوقيعات يضادون به طلبا من أهل الباطل يتقدمون به إلى المسؤولين لإجازة منكر - كما حدث عندنا حين تقدمت مجموعة من النساء إلى ولي الأمر بطلب السماح للنساء بقيادة السيارات، وذكرن حججهن، فقامت مجموعة أخرى من الأخوات الفاضلات أكبر من تلك المجموعة بطلب مضاد - وغير ذلك من صور الرد الكتابية والشفهية التي ذكر الشيخ السبت هنا أن كتابه يشملها، والواقع أنه خلا منها إلا مايتعلق بالمناظرة والمجادلة.
الوقفة الثانية
ذكر الشيخ السبت هنا أن المردود عليه أو المخالف لا يلزم أن يكون من أهل الأهواء، وهذا مذكور في أنواع أصحاب المخالفات وفي أنواع المخالفات، فقد يكون من أهل السنة لكنه وقع في خطأ، ومن هنا ذكر أن الرد لا يعارض الأُلفة.
أقول: كان ينبغي أن يوضح هذا في المبحث نفسه، لأن غالب الكتاب إنما هو في الرد على أهل الأهواء كماهو واضح لكل من يقرأ الكتاب، وكما وضحت ذلك بالتفصيل في النكتة الخامسة والعشرين.
الوقفة الثالثة
ذكر الشيخ خالد هنا أنه قد يذكر بعض الآثار عن السلف أو مواقفهم لبيان أصل المسألة، كتفريقهم بين الأحوال أو الأمكنة أو الأشخاص، فيذكرها من أجل هذا، وإن كان الأثر المعين قد لا يرتبط بموضوع الرد بخصوصه.
أقول: إنما المطلوب هنا ذكر طريقتهم في الرد الذي هو موضوع البحث، وأما سرد طريقة السلف في الأبواب العلمية في التفريق بين الأشخاص لتقرير طريقتهم في الرد على المخالف قياسا عليه ففيه نظر؛ لاختلاف الأبواب والموضوعات فلا يقاس بعضها على بعض مع اختلاف طريقتهم فيها عن طريقتهم في الرد على المخالف كما بينت ذلك في النكتة الحادية عشرة.
والتوسع في ذكر موضوعات لاعلاقة لها بموضوع الرد يشتت ذهن القارئ، ويخفي عليه معالم الموضوع الذي قرأ الكتاب لأجله، وهو موضوع الرد، ويضعف استفادته منه فيه.
وقد نُقل عن الإمام ابن تيمية أنه قال في تفسير الرازي: فيه كل شيء إلا التفسير (انظر الوافي بالوفيات 4/ 254). قال أبوحيان: فإنه جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير (البحر المحيط 1/ 511).
ولاسيما أن الموضوعات التي أطال فيها الشيخ السبت قد أفردت بالتأليف، ولها كتبها المعروفة، كما بينت ذلك في النكتة الأولى والرابعة، فلاحاجة إلى التكرار. وسأضرب مثالا على ذلك، وهو كتاب (أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية) للدكتور أحمد الحليبي المنشور في عام 1417 في نحو خمسين ومائة صفحة، فالذي يقرأ هذا الكتاب يجد غالب مافيه من كلام شيخ الإسلام، إن لم يكن كله مذكورا في كتاب الشيخ السبت، لأنه أطال في ذكر منهج الإمام ابن تيمية مع المخالفين، وكأن الكتاب معقود لذلك.
ومما لفت نظري قول الدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف في كتابه للشيخ السبت:
(حبذا أن يكون عنوان الكتاب أكثر حيوية وتشويقا فغالب الكتب المعاصرة تكون عناوينها دون مضمونها بعكس الكتاب الذي بين أيدينا)
أقول: يظهر لي أنه ربما قال ذلك لأنه وجد أن الكتاب لم يقتصر على موضوع الرد، وإنما ذكر معه موضوعات أخرى كثيرة لا علاقة لها بالرد، فاقترح تغيير العنوان إلى عنوان أوسع ليكون أصدق دلالة على مضمون الكتاب الواسع.
الوقفة الرابعة
قال الشيخ السبت هنا:وهكذا حين يُذكر موقف بعض المتقدمين كالإمام أحمد، ثم موقف بعض من جاء بعدهم كشيخ الإسلام، فإن ذلك يُذكر لتقرير مراعاتهم الأحوال، والمصالح والمفاسد، فكلهم أهل سنة، وليس بلازم أن يكون الموقف المعين لواحد بعينه كان له فيه مسلك ثم المسلك تغير.
¥