سابعًا: قطع نيَّة الاعتكاف لا العزم على الخروج أو التردد فيه، وهذه تحتاج إلى توضيح، إذا قطعت نية الاعتكاف ولو أنت في المسجد بطل اعتكافك، لكن لو قلت سأخرج إن شاء الله بعد المغرب لكنك غيَّرت رأيك ولم تخرج هذا لا يبطل الاعتكاف، ينتبه لهذا الفرق بين المسألتين، أو ترددت: أخرج أو لا أخرج، هذا التردد لا يخرجك بناء على القاعدة (أن اليقين لا يزول بالشك)، أنت معتكف يقينًا فلا يزول إلا بيقين فإذا قطعت نية الاعتكاف، وقلت أنا الآن قطعت اعتكافي، ولو أنت في المسجد بطل اعتكافك، أما إذا قلت سأخرج بعد ساعة أو ساعتين وعزمت على ذلك لكنك لم تخرج غيرت هذه النية فلا يبطل اعتكافك، أو ترددت: هل أخرج أو لا أخرج؟ هذا التردد - قالوا - لا يبطل الاعتكاف.
ثامنًا: الموت لحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)).
ولا يبطل الاعتكاف لا بالاحتلام، ولا الإنزال بسبب التفكر أحيانًا بعض الناس يفكر ومع التفكير يحتلم، فالصحيح أنه لا ينقطع اعتكافه؛ لأنه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، أيضًا الغيبة والنميمة مع إثمهما وعظيم جرمهما فلا يبطلان الاعتكاف، لكن تنقص من قدر الاعتكاف ويأثم صاحبها.
ذكر العلماء هذه القاعدة، وهي: يشترط لبطلان الاعتكاف أن يكون عالمًا ذاكرًا مختارًا، فإن كان جاهلاً أو ناسيًا أو مكرهًا لم يبطل اعتكافه؛ لأنه من باب التروك، وما كان من باب التروك يعذر فيه بالجهل والنسيان والإكراه بخلاف ماكان من باب الأوامر وأمكن تداركه.
قضاء الاعتكاف:
القول الراجح عدم وجوب قضاء الاعتكاف المسنون إذا قطعه لعذر أو لغير عذر، ولكن يستحب له ذلك لقضاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اعتكافه عندما قطعه حيث قضاه في شوال، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وقال به جمهور من العلماء.
أما الواجب فيجب قضاؤه؛ لأن الذمة لم تبرأ بعد لو كان نذرًا ثم قطعه فنقول له: أعد الاعتكاف، وهنا مسألة دقيقة جدًّا، من نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة ثم اعتكف خمسة أيام وأبطل اعتكافه، هل يعيد العشرة؟ قضى خمسة أيام ثم أبطل اعتكافه، أي: خرج من المعتكَف، هل يعيد عشرة أيام أو خمسة أيام؟ ننظر إن كان أبطله لعذر مشروع فيعتد بخمسة الأيام، ومتى ما زال هذا العذر يرجع ويكمل الاعتكاف، أما إن كان أبطله لغير عذر مشروع فنقول عليه أن يعيد عشرة الأيام، أما لو قال أنا علي عشرة أيام، ولم يحددها، لم يقل: متتابعة، ولا غير متتابعة، فنقول كل يوم اعتكفه سقط من ذمته وبرئت به ذمته وعليه قضاء الباقي، واليوم الذي خرج فيه، ولم يكمله عليه بقضاؤه لأنه لم يكتمل.
السؤال الأخير في هذه الجزئية:
هل يقضي الولي عن موليه؟
لو أن رجلاً توفي والده وعليه نذر، هل يقضي عنه أو لا؟ جمهور العلماء قالوا: لا يقضي عنه لعدم الدليل، والإمام أحمد - رحمه الله - قال: يقضي عنه وليه إن كان نذرًا ويستحب له القضاء لا وجوبًا؛ لحديث ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه))، قال: والاعتكاف أقرب ما يكون إلى الصيام حيث يلحق بالصيام لا بالصلاة، وقول الإمام أحمد له وجاهته، وإن لم يفعل يطعم عن كل يوم مسكينًا أو أنه كما ذكر بعض العلماء عليه كفارة يمين؛ لأن كفارة النذر كفارة يمين كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[20 - 09 - 08, 02:59 ص]ـ
الحكمة من الاعتكاف:
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفًا على جمعيته على الله تعالى، ولَمِّ شعثه بإقباله بالكليَّة على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يُلمُّ إلا بالإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثًا ويشتته في كل وادٍ ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعفه أو يعوقه أو يوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصَّوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغوا من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن المصالح العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في
¥