فالحديث الأوّل فيه النّهي عن أخذ شيء من الشَّعر أو الظّفر و الأصل في النّهي إفادة التّحريم و لا صارف له هنا إلى الكراهة، و الحديث الثّاني فيه الأمر بالإمساك عن أخذ ذلك و الأصل في الأمر إفادة الوجوب و لا صارف له كذلك إلى الاستحباب، و عند كثير مِن العلماء إذا أهلّ هلال ذي الحجّة على مَن أراد أنْ يُضحّي؛ لا يجوز له أنْ يأخذ شيئا مِن شعره و لا أظفاره حتّى يُضحّي، و مَن اشترى أضحية بعد مُضي أيّام مِن أوّل ذي الحجّة أمسك مِن وقت عزمه على التّضحية.
و النّهي عن الأخذ يخصّ المضحّي وحده (صاحب الأضحية) و لا يتناول المُضحَّى عنهم كالزّوجة و الأولاد و نحوهم، إلاّ إذا كان لأحدهم أضحيّة تخصّه، لأنّ النّبي صلى الله عليه و سلم كان يضحّي عن آل محمد -رضي اللّه عنهم- و لم يُنقل عنه أنه نهاهم عن الأخذ.
أمّا الحِكمة مِن ذلك؛ فقد قال بعض العلماء أنّه لمّا شابه المضحّي المحْرِمَ في بعض أعمال النّسك -و هو التقرّب إلى الله بذَبْح القربان- أُعطي بعض أحكامه، و قيل أنّ الحِكمة في ذلك أن يبقى كامل الأجزاء ليُعتَق مِن النّار.
رابع عشر/ استغلال يوم العيد:
يوم العيد هو أفضل أيّام السّنة على الإطلاق، لحديث النّبي صلى الله عليه و سلّم: ((إِنَّ أَعْظَمَ الأيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ)) (44)، فالجدير بالمسلم أنْ يستغلّ هذا اليوم في التقرّب إلى اللّه بمختلف العبادات؛ و الّتي مِنها ما يأتي ذكره.
خامس عشر/ الخروج إلى صلاة العيد:
على المسلم ذكرا كان أو أنثى الحِرص على أداء صلاة العيد حيث تُصلّى، و لْيحرص على الاستماع إلى خطبة العيد، فمِن الغُبن و الخطأ أن يحرِِم المسلم و المسلمة نفسيهما مِن شهود هذا الخير العظيم، ذلك لأنّ هذا اليوم -يوم النّحر- هو أعظم الأيّام عند اللّه كما في الحديث السّابق ذكره، علاوة على أمر النّبي عليه الصّلاة و السّلام الرّجال و النّساء بذلك.
سادس عشر/ صِلة الأرحام:
صِلة الرّحم مِن الأمور الواجبة حُكما و العظيمة أجرا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها النّاس أفشوا السّلام و أطعموا الطّعام و صِلوا الأرحام و صلّوا باللّيل و النّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام)) (45)، و قال عليه الصّلاة و السّلام: ((لا يدخل الجنّة قاطع)) (46). و لا شكّ أنّ أعرافنا و عاداتنا جارية بالتّزاور و التّواصل بين ذوي الرّحم في هذه الأيّام و في اليوم العاشر منها خاصّة -يوم العيد-، فلْيستدم كلّ منّا على ما بدأه و اعتاد عليه، و لْيوصي غيره و لْيربّي أبناءه على ذلك.
سابع عشر/ الصّدقة:
الصّدقة في وقت الحاجة و الشدّة أفضل مِن بعض العبادات التطوّعية الخاصّة في هذه الأيّام و غيرها؛ و علّل ذلك علماؤنا بأنّ العبادة التطوّعية الخاصّة نفعها قاصر على صاحبها، أمّا الصّدقة على الفقراء و المساكين و المحاويج و الجياع فنفعه متعدّي، و ما كان نفعه متعدّيًا أفضل ممّا كان نفعه قاصرًا.
و يكفي المتصدِّق و الباذل و المعطي و المحسن إلى الآخرين أجرا؛ أنّ فعله استجابة لنداء الإيمان في قوله تعالى: [[يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لاَ خُلّةٌ وَ لاَ شَفَاعَةٌ وَ الكَافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ]] (47)، و يكفيه فضلا قوله سبحانه: [[مَن ذَا الذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ]] (48).
و أمّا مَن لم يجدْ ما يتصدّق به؛ فأبشِّره بما وَرد عن نبيّنا صلى الله عليه و سلّم أنّه قال: ((على كل مُسلمٍ صدقة)). فقالوا: يا نبي الله! فمَن لم يجد؟ قال: ((يعمل بيده فينفع نفسه و يتصدّق)). قالوا: فإنْ لم يجد؟ قال: ((يُعين ذا الحاجة الملهوف)). قالوا: فإنْ لم يجد؟ قال: ((فلْيعمل بالمعروف و ليُمسك عن الشرّ فإنّها له صدقةٌ)) (49).
ثامن عشر/ استشعار وِحدانية اللّه عزّ و جلّ:
¥