[بدع وعوائد أخطاء استقبال وتوديع عام]
ـ[ناصر العلي]ــــــــ[26 - 12 - 08, 09:56 م]ـ
[بدع وعوائد أخطاء استقبال وتوديع عام]
حديثي في هذا المقال عن عاداتٍ واختراعاتٍ وبدعٍ أخذتْ تستفحلُ بين المسلمين ما أنزل الله بها من سلطانٍ، وليس لها دليلٌ ولا برهان. أردتُ التنبيهَ عليها تحذيراً للمسلمين من الوقوع فيها وتنقيةً للشريعة الغراء مما داخلها وتصفيةً للحنيفية السمحة مما علق بها من الأكدار التي عكَّرَتْ صفوَها، وأثقلتْ كواهلَ الناس بما لا طائلَ من ورائه. هذه الأخطاء إنما تُعَبِّرُ عن قناعتي بعد البحثِ والوقوفِ على أقوال أهل العلم فيها، فإنْ أصبتُ فالفضل لله وحده، وإن أخطأتُ فأسأل الله أن يغفر لي، وحسبي أني بذلتُ وُسْعِي في تحري الصواب. وهذه الأخطاء-إخواني المسلمين-ليست بالكبائر والموبقات، ولكنْ أحببتُ التنبيهَ عليها وإن كانت صغيرةً، فالصغيرةُ تجرُّ إلى الكبيرة. وهي خمسة أخطاء:
أولاً: تبادلُ التهنئات بالعام الهجريِّ الجديد. [مستفاد من بحث للشيخ علوي السقاف]
- قال الشيخ ابن باز: [فالتهنئة بالعام الجديد لا نعلم لها أصلاً عن السلف الصالح، ولا أعلم شيئاً من السنة أو من الكتاب العزيز يدل على شرعيتها]. فتاوى نور على الدرب.
- قال الشيخ ابن عثيمين: [ليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله (العام الهجري) أو نعتاد التهاني ببلوغه فليس الغبطة بكثرة السنين وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه]. الضياء اللامع.
- وقال الشيخ الفوزان: [والتأريخ الهجري ليس المقصودُ منه هذا (يقصد التهاني)، أن يُجعلَ رأسُ السنةِ مناسبةً تُحْيَا ويصيرَ فيها كلامٌ وعيدٌ و تهاني، هذا يتدرج إلى البدع]. الإجابات المهمة في المشاكل الملمة.
فتركُ التهاني بالعام الهجري هو القولُ الأَسَدُّ والأصوبُ؛ للاعتبارات التالية:
1) بُعْداً عن تشبيهِهِ بعيدَيِ المسلمين، الفطرِ والأضحى، فالتهنئة بهما مشروعة، ولم يأذن النبي r بإحداثِ عيدٍ ثالث.
2) بُعْداً عن مشابهة اليهودِ والنصارى والمجوسِ وغيرِهم، فإن من خصوصياتِ عقائدِهم الاحتفالَ والتهنئةَ برأس الأعوام المختصةِ بهم، فالنيروزُ عيدُ رأسِ السنة عند المجوس، وتشري بالعبرية وهو تشرين عيدُ رأس السنة اليهودية. ويناير عيد رأس السنة النصرانية. ونحن المسلمين مأمورون بترك التشبه بهؤلاء في أعيادهم.
3) لئلا يُفتح البابُ على مصراعيه للتهنئة بمناسباتٍ زمانيةٍ متكررة، كعامٍ دراسيٍّ ويومِ استقلالٍ ويومٍ وطنيٍّ، أو مولدٍ نبويٍّ، وما شابه ذلك. ثمّ إنه يلزم القائلين بجواز التهنئة بالعام الهجري يلزمُهم أن يقولوا بجواز التهنئة بيوم الجمعة وسائر الأيام والأزمان ولا فرق.
4) القولُ بجواز التهنئة يفضي إلى التوسع فيها، فتكثر رسائلُ الجوالِ وبطاقاتُ المعايدة على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام، وربما صاحب ذلك زياراتٌ واحتفالاتٌ وعطلٌ رسميةٌ كما هو حاصل في بعض البلاد الإسلامية، بل اعلموا أن المؤرِّخَ المقريزيَّ ت845هـ ذكر في كتابِهِ الخططِ والآثارِ بأن حُكَّامَ الدولةِ العُبيدية (الفاطمية) كانوا يتخذون رأس السنة الهجرية موسماً للاحتفال.
5) التهنئة بالعام الهجري لا معنى لها أصلاً، إذِ الأصلُ في معنى التهنئةِ تجددُ نعمةٍ أو دفعُ نقمة، وهنا أتساءل: أيُّ نعمةٍ حصلت بانتهاء عامٍ هجري، إنها أعوامٌ ذهبت من أعمارِنا، أ ليس الأولى هو الاعتبارَ بذهابِ الأعمار ونقصِ الآجال، فلو قيل بأولوية التعزيةِ على التهنئة لكان له حظٌ من النظر، ولمثلِ هذا المعنى لم تكن أعيادُ الميلادِ مشروعةً وإلا للزم القائلين بجواز التهنئة بالعام جوازُها في عيدِ ميلادِ كلِّ شخصٍ؛ فالمعنى واحدٌ في كليهما، ولا فرق.
والله تعالى أعلم
ـ[ناصر العلي]ــــــــ[26 - 12 - 08, 10:04 م]ـ
بدع وعوائد وأخطاء استقبال وتوديع عام
وثانياً: من الأخطاءِ التي تُفعل في نهاية العام وبدايته الدعاءُ بدعوةٍ معينة، فقد اخترع بعضُ المبتدعةِ دعاءً لليلتي أولِ يومٍ من السنة وآخرِها، وصار العامةُ في بعض البلدان الإسلامية يرددونه مع أئمتهم في بعض المساجد، وهذا نصه: {اللهم ما عَمِلْتُهُ في هذه السنة مما نهيتني عنه ولم تَرْضَهُ، ونسيتُهُ ولم تنسَهُ، وحَلُمْتَ عليَّ في الرزق بعد قدرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التوبة بعد جراءتي، اللهم إني أستغفرك منه فاغفر لي، وما عَمِلْتُهُ فيها من عملٍ ترضاه ووعدتني عليه الثوابَ فأسألك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام أن تقبله مني، ولا تقطعْ رجائي منك يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم}. دعاءٌ جميلٌ وجيد ولكنْ تخصيصه برأس السنة الهجرية بدعةٌ إضافية، ويقولون: إن الشيطانَ بعد هذا الدعاء يقول: قد تَعِبْنا معه سائر السنة، فأفسد عملَنا في ليلةٍ واحدة، ويحثو التراب على وجهه. ويسبق هذا الدعاءَ عندهم صلاةُ عشرِ ركعاتٍ، يقرأ في كل ركعة الفاتحةَ، وآيةَ الكرسي عشرَ مراتٍ، والإخلاصَ عشر مرات ... هذا الصنيع -يا عبادَ الرحمن-لم يُؤثرْ عن النبي r، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولا عن أحدٍ من الأئمة المتبوعين، والعباداتُ توقيفية. قال r« من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» متفق عليه. عباد الله: هذه الأخطاءُ والبدعُ وإن بدتْ صغيرةً في نَظَرِ بعضِنا، لكنْ معظمُ النار من مُسْتصغَر الشرر. وهذا حال بعضِ البدعِ تبدأ صغيرةً وهيِّنةً، فتكبر وتصبحُ شعيرةً وشريعة، فسدُّ هذا البابِ أولى. قال الإمام البربهاري/ت 329: [واحذرْ صغارَ المحدثاتِ من الأمور، فإن صغارَ البدع تعودُ حتى تصيرَ كباراً، وكذلك كلُّ بدعةٍ أُحْدِثت في هذه الأمة كان أولُها صغيراً يشبه الحقَّ فاغترَّ بذلك من دخل فيها ثم لم يستطعِ المخرجَ منها فعَظُمت وصارت ديناً يُدان بها فخالفَ الصراطَ المستقيم]. وقال الإمامُ ابنُ تيميةَ/: [فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصيرَ أذرعاً وأميالاً وفراسخ]،وقال الإمامُ ابنُ القيمِ/: [البدعُ تُستَدرَج بصغيرها إلى كبيرها حتى ينسلخَ صاحبُها من الدين كما تَنْسَلُّ الشعرةُ من العجين].
والله أعلم
¥