إن كثيرًا من المخزِّنين - هداهم الله - تضيع عليهم كثيرٌ من الصلوات، ومن أهمها صلاه العصر وصلاه المغرب، هذا إذا اعتبرنا أنَّ المخزِّن لا يبدأ تخزينه إلا بعد صلاه الظهر، وأنه يخرج منه قبل صلاة العشاء، وإلا فإن بعضهم تضيع عليه صلاه الظهر وهو يبحث عن القات، وتضيع عليه صلاة العشاء وهو في آثار التخزين؛ وتضيع عليه صلاة الفجر وهو في النوم الذي فرضه عليه الأرق والسَّهر الذي جلبه القات أوَّل الليل.
وفي بعض المحافظات؛ لجأ بعضهم إلى الجمع المستمر بين الصلوات؛ حيث يقدِّم العصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب؛ ليتسع وقت التخزين، وهو أمرٌ مُبْتَدَعٌ في الدِّين، يتَّفق العلماء المعتبَرون على بُطلانه.
2 - الانشغال عن ذكر الله؛ فمن المعلوم ما يحصل أثنا التخزين من لَغْوٍ وحديثٍ متشعِّبٍ، يشغل المخزِّنين عن ذكر الله لساعاتٍ طويلة، وحتى لو أراد المخزِّن أن يذكر الله، فجَوُّ المجلس غير لائق بذلك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما اجتمع قومٌ فتفرقوا عن غير ذكر الله؛ إلا كأنما تفرقوا عن جفية حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة))؛ رواة أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وصحَّحه شيخُنا الألبانيُّ - رحمه الله.
موقف العلماء منه:
منذ القرن العاشر الهجري - فيما أعلم - بدأ العلماء يبحثون أمر القات، ويُصدرون الفتاوى في حكمه بين محلِّل ومحرِّم، كلٌّ بما أدَّاه إليه اجتهاده، سواء من جهة توصيف القات نفسه، أو من جهة تنزيل النصوص الشرعية عليه، أو قياسه على ما ورد فيه من النصِّ مما يظن أنه يشابهه ويجتمع معه في العلَّة التي أُنيط بها حكمه. وكان دخول القات إلى اليمن - على الأرجح - آخر القرن السابع، أو أول الثامن، في أيام الملك المؤيَّد الرسولي، غير أنه فيما يظهر لم يُشكِّل ظاهرةً إلا بعد زمنٍ طويل، فمنهم مَنْ حرَّمه ومنعه وألَّف في ذلك الرسائل أو نظم القصائد، ومن هؤلاء القائلين بتحريمه من المتقدِّمين:
1 - الفقيه أبو بكر بن إبراهيم المقري الحرازي الشافعي، المتوفى سنه (96هـ) - له رسالة في تحريم القات، ذكرها ابن حجر - رحمه الله - في رسالته "تحذير الثِّقات".
2 - القفيه العلامة حمزة الناشري، المتوفَّى سنه (92 هـ) - له منظومة في تحريمه، جاء منها قوله:
ولاتأكلن القات رطبًا ويابسًا فذاك مضرٌّ داؤه فيه أعضلا
فقد قال أعلام من العلماء أن هذا حرامٌ للتضرر مأكلا
3 - العلامة ابن حجر الهيتمي، صاحب "تحفة المحتاج"، له رسالة بعنوان "تحذير الثقات عن استعماله الكفتة والقات"، قاسه فيها على الحشيش وجوزة الطيب، وهي موجودة في كتابه "الفتاوى الكبرى الفقهية".
4 - الإمام شرف الدين، أحد أئمة الزبيدية، له رسالة أسمها: "الرسالة المانعة، من استعمال المحرمات الجامعة، في علَّة التحريم بين الحشيشة والقات، وغيرها من سائر المحرمات"، قال القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه "هجر العلم": "وقد أفتى بتحريمه، بعد أن شاع استعماله في اليمن، وأمر بقلع أشجارها"، وهذا الإمام من أعيان القرنين التاسع والعاشر، توفي سنة (965هـ)، رحمه الله.
5 - ومنهم حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله - المتوفى سنه (1377هـ)، له قصيدة بعنوان "نصيحة الإخوان، عن تعاطي القات والتبغ والدخان"، مطلعها:
يا باحثًا عن عفون القات ملتمسًا تبيانه مع إيجاز العبارات
ليس السماع كرأي العين متضحًا فاسأل خبيرًا ودع عنك الممارات
6 - مفتي المملكة العربية السعودية السابق؛ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - الذي توفي سنه (1389هـ)، له فتوى مطوَّله، عبارة عن رسالة صغيرة في حكم القات، أفتى بتحريمه.
7 - كما قرر تحريمه الشيخ العلامة محمد بن سالم البيحاني، في كتابة "إصلاح المجتمع"، وله في ذلك قصيدة بليغة، منها قوله:
إن رمت تعرف آفة الآفات فانظر إلى إدمان مضغ القات
القات قتل للمواهب والنهى ومولد للهمِّ والحسرات
ما القات إل فكرةً مسمومةً ترمي النفوس بأبشع النكبات
ينساب في الأحشاء داءً فاتكًا ويعرض الأعصاب للصدمات
يذر العقول تتيه في أوهامها ويذيقها كأس الشقاء العاتي
ويميت في روح الشباب طموحهلا ويذيب كل عزيمة وثبات
يغتال عمر المرء مع أمواله ويريه ألوانًا من النقمات
هو للإرادة والفتوة قاتلٌ هو ماحقٌ للأوجه النضرات
فإذا نظرت إلى وجوه هواته أبصرت فيها صفرة الأموات
¥