الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والآخر لم يعد الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي لم يعد الصلاة قال له: "أصبت السنة"، وقال للآخر: "لك الأجر مرتين"، فصوب الأول ولم يصوب الثاني، ولكنه جعل له الأجر مرتين لأنه فعل ما يعتقده عبادة متأولاً ظاناً أن هذا هو الذي يجب عليه، فأثيب على هذا الاجتهاد وإن كانت السنة في خلافه. كذلك أيضاً اجتماع الناس على الذكر جماعياً بأن يقولوا بصوتٍ واحد: الله أكبر أو الحمد لله أو لا إله إلا الله، أو اللهم صلي على محمد أو ما أشبه ذلك، هذا لا نعلم له أصلاً في سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ بل كان الصحابة يذكرون الله تعالى ويثنون عليه كلٌ على نفسه، وهاهم في حجة الوداع مع النبي عليه الصلاة والسلام منهم المهل ومنهم المكبر، ولا أحدٌ يتبع أحداً في ذلك، ولم يجتمعوا على التلبية، وإنما كان كل إنسانٍ يلبي لنفسه، فهذا هو المشروع.
أما ما وردت به السنة من الاجتماع على الدعاء أو على الذكر فهذا يتبع فيه السنة، كالاجتماع على دعاء القنوت في الوتر في صلاة التراويح وما أشبه ذلك فهذا يتبع فيه السنة) اهـ. العلامة العثيمين (نور على الدرب).
وقال العلامة العثيمين في (مجموع الفتاوى) جوابا على بعض الأسئلة:
(جـ2: لا أعلم أني قلت إن الدعاء بعد الفريضة بدعة، هكذا على الإطلاق، ولكني أقول إن المحافظة على الدعاء بعد الفريضة والنافلة كلتيهما ليس بسنة بل هو بدعة؛ لأن المحافظة عليه يلحقه بالسنة الراتبة سواء كان قبل الأذكار الواردة بعد الصلاة أم بعدها.
... وأما فعله أحياناً فأرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان الأولى تركه؛ لأن الله تعالى لم يشرع بعد الصلاة سوى الذكر لقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إلى الدعاء بعد الصلاة، وإنما أرشد إلى الدعاء بعد التشهد قبل التسليم، وكما أن هذا هو المسموع أثراً فهو الأليق نظراً، لكون المصلي يدعو ربه حين مناجاته له في الصلاة قبل الانصراف) اهـ.
قال الشيخ العالِم بكر بوزيد في (تصحيح الدعاء) رادا على بعض شبه أصحاب السبحة:
(( ... قال الغلاة في اتخاذ السبحة: " إن العقد بالأنامل إنما يتيسر في الأذكار القليلة من (المائة) فدون، أما أهل الأوراد الكثيرة، والأذكار المتصلة، فلو عدوا بأصابعهم لدخلهم الغلط، واستولى عليهم الشغل بالأصابع، وهذه حكمة اتخاذ السبحة".
أقول: ليس في الشرع المطهر أكثر من (المائة) في عدد الذكر المقيد بحال أو زمان أو مكان، وما سوى المقيد فهو من الذكر المطلق، والله – سبحانه وتعالى – يقول:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} إلى غيرها من الآيات.
فتوظيف الإنسان على نفسه ذكرا مقيدا بعدد لم يأمر الله به ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – هو: زيادة على المشروع، ونفس المؤمن لا تشبع من الخير، وكثرة الدعاء والذكر، وهذا الأمر المطلق من فضل الله على عباده في حدود ما شرعه الله تعالى من الأدعية والأذكار المطلقة بلا عدد معين، كل حسب طاقته ووسعه، وفراغه وشغله، وهذا من تيسير الله على عباده، ورحمته بهم، وانظر لما ألزم الطرقية أنفسهم بأعداد لا دليل على تحديدها، ولّد لهم هذا الإحداث بدعا: من اتخاذ السبح، وإلزام أنفسهم بها، واتخاذها شعارا، وتعليقها في الأعناق، واعتقادات متنوعة فيها رغبا، ورهبا، والغلو في اتخاذها حتى ناءت بحملها الأبدان، فعُلقت بالسقوف، والجدران، ووُقِّفت الوقوف على العادين بها، وانقسم المتعبدون في اتخاذها: نوعا وكيفية!، وزمانا ومكانا وعددا، ثم تطورت إلى آلة حديدية مصنعة! إلى آخر ماهنالك مما يأباه الله ورسوله والمؤمنون.
فعلى كل عبد ناصح لنفسه أن يتجرد من الإحداث في الدين، وأن يقصر نفسه على التأسي بخاتم الأنبياء والمرسلين، وصحابته – رضي الله عنهم - فدع السبحة يا عبد الله، وتأس بنبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – في عدد الذكر المقيد، ووسيلة العد بالأنامل، وداوم على ذكر الله كثيرا كثيرا دون التقيد بعدد لم يدل عليه الشرع، واحرص على جوامع الذكر، وجوامع الدعاء)) اهـ.
وقال:
(وكل ذكر أو دعاء مطلق فإن كان واردا، فإنه يؤتى به على الوجه الذي ورد في لفظه.
وإن كان غير وارد، بل أتى به الداعي من عند نفسه، أو من المنقول عن السلف، فإنه يجوز للعبد الذكر والدعاء بغير الوارد في باب الذكر والدعاء المطلق بخمسة شروط:
1 - أن يتخير من الألفاظ أحسنها، وأنبلها، وأجملها للمعاني، وأبينها، لأنه مقام مناجاة العبد لربه ومعبوده سبحانه.
2 - أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي، ومقتضى العلم الإعرابي.
3 - أن يكون خاليا من أي محذور شرعا، لفظا أو معنى.
4 - أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق لا المقيد بزمان، أو حال أو مكان.
5 - أن لا يتخذه سنة راتبة يواظب عليها.) اهـ.
والحمد لله رب العالمين.
¥