تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أوروبا، اعتبارًا من زمننا هذا، قبل أن تعرف المستشفيات العامَّة معنى، ولا نبالغ إذا قلنا بأنه حتى القرن الثامن عشر (1710م) والمرضى يعالَجون في بيوتهم، أو في دور خاصَّة، كانت المستشفيات الأوروبية قبلها عبارة عن دور عطف وإحسان، ومأوى لمن لا مأوى لديه، مرضى كانوا أم عاجزين، وأصدق مثال لذلك هو مستشفى (أوتيل ديو) بباريس، أكبر مستشفيات أوروبا في ذلك العصر، وصفه كل من ماكس توردو وتينون بما يلي: "يحتوي المستشفى على 1200 سريرًا، منها 486 خصصت لنفر واحد، أما الباقي - ولم تكن سعة الواحد منها تتجاوز خمسة أقدام - فتجد فيها عادة ما يتراوح بين ثلاثة مرضى وستة، وكانت الردهات الكبرى عفنة كثيرة الرطوبة، لا منافذ تهوية فيها، مظلمة دومًا، ترى فيها في كل حين حوالي ثمانمائة مرضى يفترشون الأرض وهم مكدسون بعضهم فوق بعض، على القاع أو على كوم منَ القش، في حالة يُرثى لها، إنك لتجد في السرير ذي الحجم المتوسط أربعة أو خمسة أو ستة مرضى متلاصقين، قدم أحدهم على رأس الثاني، تجد أطفالاً بجانب شيوخ، ونساء بجانب رجال، قد لا تصدق لكنها الحقيقة، تجد امرأة في المخاض مع طفل في حالة تشنُّج مصاب بالتيفوس يحترق في بحران الحمى، وكلاهما إلى جنب مريض بداء جلدي يحك جلده المهترئ بأظفاره الدامية، فيجري قيح البثور على الأغطية، وطعام المرضى من أخس ما يتصوره العقل، يوزع عليهم بكميات قليلة للغاية، وفي فترات متباعدة لا نظام فيها، واعتادت الراهبات أن يحابين المرضى الطائعين المنافقين على حساب الآخرين، فيسقينهم الخمور، ويصلنهم بالحلوى والمآكل الدسمة مما يتفضل به المحسنون، في الوقت الذي هم فيه أحوج إلى الحمية، فيموت الكثير منهم بالتُّخمة ويفطس غيرهم جوعًا، وكانتْ أبواب المستشفى مفتوحة في كل وقت وحين، ولكل رائحٍ وغادٍ، وبهذا تنتشر العدوى بانتقالها، وبالفضلات وبالهواء النَّتِن المُلَوَّث، وإن لم يتفضل المحسنون على المرضى ماتوا جوعًا، كما يموتون أحيانًا بالتخمة أو من فرط السكر، والفرش حافلة بالحشرات الدنيئة وهواء الحجرات لا يُطاق لفساده، حتى إن الخدم والممرضين لم يكونوا يجرؤون على الدخول إلا بعد وضع إسفنجة مبللة بالخل على أنوفهم، وتُترَك جثث الموتى 24 ساعة على الأقل قبل رفعها من السرير المشاع، وكثيرًا ما تتفسخ الجثة وتتعفن، وهي ملقاة بجانب مريض يكاد يطير صوابه".

هذه مقارَنة بسيطة بين حالة المستشفيات عندنا في عهود حَضَارتنا، وحالتها عند الغَربيين في تلك العصور، وهي تدل على مبلغ الانحطاط العلمي الذي كان عليه القوم، والجهل الفاضح بأصول المستشفيات، بل بقواعد الصحة العامة البدهيَّة.

ونختم هذا الحديث بالنتائج التي نحب أن نلفتَ الأنظار إليها بعد هذه المقارنات:

إننا في حَضَارتنا كنا أسبق من الغَربيين في تنظيم المستشفيات بتسعة قرون على الأقل، وإنَّ مستشفياتنا قامت على عاطفة إنسانية نبيلة لا مثيل لها في التَّاريخ، ولا يعرفها الغَربيون حتى اليوم.

إننا بلغنا في تحقيق التكافُل الاجتماعي حدًّا لم تبلغْه الحَضَارة الغَربية حتى اليوم، حين نجعل الطب والعلاج والغذاء للمرضى بالمجان؛ بل حين كنا نعطي الفقير الناقِهَ منَ المال ما ينفق على نفسه حتى يصبح قادرًا على العمل، إنَّ هذه نزعة إنسانية بلغنا فيها الذروة يوم كنا نحمل لواء الحَضَارة، فأين نحن منها اليوم، وأين منها هؤلاء الغَربيون؟!

المصدر: http://www.alukah.net/articles/1/4598.aspx

ـ[أبو الحسن السكندري]ــــــــ[25 - 12 - 08, 09:43 م]ـ

سلمت أخي،

وجزاك الله خيراً.

وإن كان الواحد تحسر والله، عندما قارن حال مستشفياتنا اليوم بحالها زمان ...

شتان بين مستشفيات لا تخرج المرضى إلا بعد دفع فاتورة بالآلاف، بدون مبرر ...

وبين مستشفيات تصرف للمرضى ملابس، وأموال تعينهم على معيشتهم إلى أن يتم شفاؤهم بإذن الله.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير