وقد رأيت الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله يمكث بعد الفجر طويلاً قبل أن يشرع في درسه بعد الفجر وكانت دروسه بعد الفجر أربعة أيام في الأسبوع، فكان الطلاب على كثرتهم يفرَغون من الذكر بعد الصلاة ويأخذون أماكنهم أمامَ الشيخ استعداداً للدرس وينتظرون وقتاً والشيخ في مصلاه مطرقٌ برأسه يذكر الله حتى يفرَغ مما اعتاده من ذكر ثم يقوم إلى مجلسه أمام تلاميذه رحمه الله.
وأظن سبب أطالته أنه رحمه الله كان يأتي بالأذكار على أكمل أحوالها، وسأضرب لذلك مثلاً:
قوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
جاء في الحث عليها حديثان اثنان مختلفان وكلاهما متفق عليه.
فالأول: حديث أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل.
والثاني: حديثُ أبي هريرة مرفوعاً أنَّ من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتبت له مائةُ حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حِرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه.
فهذان حديثان اثنان فمن أتى بمقتضى الأول منهما فهو على خير ومن أتي بالثاني فهو خير وأبر.
فإذا طلعت الشمس ومضى على طلوعها نحو ربع ساعة –تقريباً- فقد حل لمن أراد التنفل أن يتنفل، وهذا هو وقت صلاة الضحى. إلا أن أفضل أوقاتها حين تَرْمَض الفِصال قال ?: ((صلاة الأوابين حين ترمَض الفصال)) أخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم ?.
وقوله ترمض الفِصال: يشير إلى شدة الحر، والفِصال: جمع فصيل وهو الصغير من الأبل.
وقد ورد في فضل صلاة الضحى أحاديث كثيرة. منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قل أن أنام) متفق عليه.
وعن أبي ذر ? قال: قال ? ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمرٌ بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى))
فإذا قرب وقت الظهر فأمسك عن الصلاة فإنه وقت نهي حتى يُؤذن للصلاة فإذا أذن المؤذن شُرعت راتبة الظهر وهي ست ركعات: أربع ركعات في تسليمتين قبل الصلاة واثنتان بعدها.
وحيث جرى ذكر السنن الرواتب فإني أعرِّج عليها بما يدل على فضلها وتعدادها.
ورد في فضل السنن الرواتب حديثٌ أخرجه مسلمٌ رحمه الله في صحيحه من حديث أمِّنا الكريمة أمِّ المؤمنين أم حبيبة رملةِ بنتِ أبي سفيان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ? يقول: (ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني له بيتاً في الجنة).
ومن هنا استدلَّ بعض العلماء على كون السنن الرواتب اثنتي عشرة ركعة، وهي على هذا النحو:
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء .. أما العصر فليس لها سنة راتبة.
وأما حديث عبدالله بن مُغفَّل ? المتفق عليه: (بين كل أذانين صلاة) وحديثه الآخرة الذي أخرجه البخاري مرفوعاً: (صلوا قبل المغرب ثلاثاً قال في الثالثة لمن شاء)، فهما دليلان على استحباب ذلك، لكن ذلك لا يعد في السنن الرواتب.
ورغم أهمية السنن الرواتب وعظيم ما أعده الله لمن حافظ عليها إلا أننا نرى كثيراً من المسلمين لا سيما من شبابنا وشاباتنا من يتساهل في المحافظة عليها مع أن ذلك عند السلف أمرٌ مستنكرٌ حتى قال بعضهم: من لم يصل الرواتب لم تقبل شهادته!!
والقيلولة عادةٌ حسنة يُرجى أجرها لمن تحرى اتباع النبي ? في كل أحواله ولمن أراد أن يستعين بها على قيام الليل.
فإذا صلى الظهر فإن للمسلم مضطرباً واسعاً لذكر الله والصلاة، فإن ما بين الظهرين وما بين العشائين وقتٌ للصلاة، وكان بعض الصالحين يعمرهما بالذكر والصلاة، وليس فيهما سنةٌ خاصة.
فإذا أُذِّن لصلاة العصر سُنّ المجئُ بركعتين، لحديث عبدالله بن مغفَّل رضي الله عنه سالف الذكر ((بين كل أذانين صلاة)).
وأما حديثُ ابن عمر رضي الله مرفوعاً: ((رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً)) فالصواب أنه لا يصح، قد ضعفه غيرُ واحد من الأئمة منهم أبو زُرعة رحمه الله.
¥