تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، فمثلاً: إذا قلت: لا خالق إلا الله، فهذا نفيٌ للوجود، إذ لا خالق إلا ربّ العالمين.

وإذا قلت: لا صلاةَ بغير وُضُوء، فهذا نفيٌ للصحَّة؛ لأن الصَّلاةَ قد تُفعل بلا وُضُوء.

وإذا قلت: لا صلاةَ بحضرَة طعام، فهو نفيٌ للكمال؛ لأن الصلاة تصحُّ مع حَضْرة الطعام.

فقوله ?: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) إذا نزَّلناه على هذه المراتب الثلاث وجدنا أنه قد يوجد مَن يُصلِّي ولا يقرأ الفاتحة، وعلى هذا فلا يكون نفياً للوجود. فإذا وُجِدَ مَن يُصلِّي ولم يقرأ الفاتحةَ فإن الصَّلاةَ لا تَصِحُّ؛ لأن المرتبة الثانية هي نفيُ الصحَّة، وعلى هذا فلا تصحُّ الصَّلاة والحديث عامٌّ لم يُستثنَ منه شيء، والأصل في النصوص العامة أن تبقى على عمومها، فلا تخصَّصُ إلا بدليل شرعيٍّ، إما نصٌّ، أو إجماعٌ، أو قياس صحيح، ولم يوجد واحد من هذه الثلاثة بالنسبة لعموم قوله: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

وأما الدليل الثالث: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ((إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ)) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِي وَاللَّهِ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا؛ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا))، وهذا الحديث الصحيح صريح في الدلالة على أن المأموم يجب عليه أن يقرأ بفاتحة الكتاب، سواءً كانت الصلاة جهرية أم كانت سرية؛ لأن النبي-?- قال: ((فَلَا تَفْعَلُوا)) أي: لا تقرؤوا وراء الإمام إلا أن تكون القراءة بفاتحة الكتاب، فدل دلالة واضحة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم مطلقاً؛ لأن النبي-?- لم يُفرق بين السرية والجهرية، فهذه الأحاديث الصحيحة تدل دلالة واضحة على رجحان هذا المذهب (أنه يجب على المأموم أن يقرأ بفاتحة الكتاب، سواءً كانت الصلاة من السرية أم من الجهرية).

واستدل أصحاب القول الثاني بدليل الكتاب والسنة. أما استدلالهم بدليل الكتاب فبقوله-?-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة؛ أن المأموم وراء الإمام مأمور بالانصات عند سماع القرآن، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: إن هذه الآية نزلت في الصلاة. فدل على أنه ينبغي على المأموم أن ينصت لقراءة القرآن، وبناءً عليه تسقط عنه قراءة الفاتحة؛ لأنه مشغول بالاستماع.

أما الدليل من السنة فإن النبي-?- ثبت عنه أنه قال: ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا .. ))، وفي رواية أن النبي-?-قال: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، وهذه الزيادة محل اختلاف بين علماء الحديث، هل هي مثبته من لفظ النبي-?- أو لا؟. قال أبو داود: ليست بمحفوظة، وكذا قال ابن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني وأبو علي النيسابوري، واجتماع هؤلاء الحفاظ علي تضعيفها مقدَّم علي تصحيح مسلم، لا سيما ولم يروها في صحيحة، والله أعلم.

ووجه الدلالة منها في قوله-?-: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، حيث أمر النبي-?- المأموم أن ينصت لقراءة الإمام، فدل على سقوط القراءة في حقه، وأنه لا يجب عليه أن يقرأ وراء الإمام. واستدلوا بحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ. اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ) ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي-?- قال: ((الْإِمَامُ ضَامِنٌ)) والضامن والضمين في لغة العرب: الحميل والزعيم الذي يتحمل عن الغير، فقالوا: إن هذا الحديث يدل على أن الإمام يحمل عن المأموم ومما يحمله عنه قراءته لفاتحة الكتاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير