تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا لا يحمل إلا على قراءة السر. فإن جهر الرجل كان ذريعة لعلمه عليه الصلاة والسلام، ولم يكن مورد سؤاله عليه الصلاة والسلام، ولم يكن سؤاله عليه الصلاة والسلام إلا عن القراءة. وشيء آخر أنه روي أن القائل هو أبو هريرة نفسه، وأن الزهري أعاد قوله لمن لم يسمعه، فهو لا يناقض مذهب أبي هريرة. فقول أبي هريرة (في رواية أخرى): "اقرأ بها في نفسك يا فارسي"، أي اقرأ بها في السرية. قال شيخ الإسلام: «وقوله: "اقرأ بها في نفسك". مجمل. فإن أراد ما أراد غيره من القراءة في حال المخافتة أو سكوت الإمام، لم يكن ذلك مخالفاً لقول أولئك. يؤيد هذا أن أبا هريرة ممن روى قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" وروى قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وما زاد. وقال: "تجزئ فاتحة الكتاب، وإذا زاد فهو خير". ومعلوم أن هذا لم يتناول المأموم المستمع لقراءة الإمام، فإن هذا لا تكون الزيادة على الفاتحة خيراً له، بل الاستماع والإنصات خيراً له. فلا يجزم حينئذ بأنه أمره أن يقرأ حال استماعه لقراءة الإمام بلفظ مجمل». والثابت عن أبي هريرة قوله: «اقرأ خلف الإمام فيما يخافت به». فدل على أن مذهبه موافق للجمهور والحمد لله رب العالمين.

قال شيخ الإسلام تعليقاً على قول الزهري: «إن الزهري أعلم التابعين في زمنه بسنة رسول الله r. وهذه المسألة مما تتوفر الدواعي والهمم على نقل ما كان يفعل فيها خلف النبي r، ليس ذلك مما ينفرد به الواحد والاثنان. فجزم الزهري بهذا، من أحسن الأدلة على أنهم تركوا القراءة خلفه حال الجهر بعدما كانوا يفعلونه. وهذا يؤيد ما تقدم ذكره ويوافق قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" ولم يستثن فاتحة ولا غيرها».

أخرج أحمد وغيره من طرق عن خالد الحذاء عن محمد بن أبي عائشة (ثقة) عن رجل من أصحاب النبي قال: قال النبي r: « لعلكم تقرءون والإمام يقرأ؟» مرتين أو ثلاثاً قالوا: يا رسول الله: إنا لنفعل. قال: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب».

ورواه الحفاظ عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً. ورجح الدارقطني في العلل (9

65) هذه الرواية. وأخرجه أبو يعلى (5

87) من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس. وهذا ضعفه البخاري في التاريخ (1

207) وبين أبو حاتم في العلل (1

175) أنه وهم من عبيد. وكذلك ابن معين وأبو زرعة الدمشقي وابن عدي والدارقطني والبيهقي. أيوب وخالد ثقتان، لكن الثاني تغير حفظه بعدما قدم من الشام، والأول أحفظ منه، وهو الذي عهد إليه أبو قلابة بكتبه عندما مات. لكن روى أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2

418) والبخاري في التاريخ (1

207) عن إسماعيل بن علية قال: قال خالد لأبي قلابة: من حدثك هذا الحديث؟ قال: «محمد بن أبي عائشة مولى لبني أمية، كان خرج مع آل مروان حيث أخرجوا من المدينة». قلت: نستنتج من هذا أن أبا قلابة كان يحدث بهذا الحديث مرسلاً فقط. فلما سأله خالد عمّن حدثه بهذا الحديث، أخبره بأنه محمد بن أبي عائشة، ولم يخبره ممن سمع ذلك محمد. فقدّر ذلك أنه سمعه من صحابي فروى ذلك على تلك الهيئة، وأبهم الصحابي لأنه تقدير فحسب. ولو صحت تلك الرواية لأخرجها البخاري في صحيحه، أو على الأقل علقها بصيغة الجزم. وهو الحريص على نصرة مذهبه في القراءة خلف الإمام، والرد على الأحناف. كيف لا وقد كتب كتاباً كاملاً عن هذا الموضوع؟ على أنه يمكن القول أن البخاري علم أن الرواية ليس فيها دلالة على القراءة خلف الإمام (كما أوضح ابن عبد البر) فتركها. وقد اختلف فيه عن خالد أيضاً فرواه بعض الرواة عنه مرسلاً مثل أيوب (راجع رواية هشيم عند ابن أبي شيبة)، ورجح هذا الدارقطني في المجلد الرابع (37 - أ) قال والمرسل أصح.

قال ابن عبد البر: «وأما حديث محمد بن عائشة، فإنما فيه إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه. ومعلوم أن القراءة في النفس ما لم يحرك بها اللسان، فليست بقراءة. وإنما هي حديث النفس بالذكر. وحديث النفس متجاوز عنه، لأنه ليس بعمل يؤاخذ عليه فيما نهى أن يعمله أو يؤدى عنه فرضا فيما أمر بعمله. وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: إن كانت قراءة الإمام بغير أم القرآن قراءة لمن خلفه، فينبغي أن تكون أم القرآن كذلك. وإن كانت لا تكون قراءة لمن خلفه، فقد نقصَ من خلف الإمام عما سنّ من القراءة للمصلين، وحُرِمَ من ثواب القراءة بغير أم الكتاب، ما لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير