تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأقوال في القراءة خلف الإمام أن المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها. وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد. وهذا قول جمهور السلف والخلف. وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابه. وهو أحد قولي الشافعي. واختاره طائفة من محققي أصحابه. وهو قول محمد بن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفة. وأما قول طائفة من أهل العلم كأبي حنيفة وأبي يوسف: أنه لا يقرأ خلف الإمام لا بالفاتحة ولا غيرها لا في السر ولا في الجهر، فهذا يقابله قول من أوجب قراءة الفاتحة ولو كان يسمع قراءة الإمام كالقول الآخر للشافعي وهو الجديد. وهو قول البخاري وابن حزم وغيرهما. وفيها قول ثالث: أنه يستحب القراءة بالفاتحة إذا سمع قراءة الإمام وهذا مروي عن الليث والأوزاعي وهو اختيار جدي أبي البركات. ولكن أظهر الأقوال قول الجمهور، لأن الكتاب والسنة يدلان على وجوب الإنصات على المأموم إذا سمع قراءة الإمام. وقد تنازعوا فيما إذا قرأ المأموم وهو يسمع قراءة الإمام: هل تبطل صلاته؟ على قولين، وقد ذكرهما أبو عبد الله بن حامد على وجهين في مذهب أحمد. وقد أجمعوا على أنه فيما زاد على الفاتحة كونه مستمعا لقراءة إمامه، خير من أن يقرأ معه. فعُلِمَ أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ مع الإمام. وعلى هذا فاستماعه لقراءة إمامه بالفاتحة يحصل له به مقصود القراءة وزيادة تغني عن القراءة معه التي نهي عنها. وهذا خلاف إذا لم يسمع، فإن كونه تالياً لكتاب الله يثاب بكل حرف عشر حسنات خيراً من كونه ساكتاً بلا فائدة، بل يكون عرضة للوسواس وحديث النفس الذي لا ثواب فيه. فقراءة يثاب عليها خيراً من حديث نفس لا ثواب عليه. وبسط هذا له موضع آخر».

أي احتج ابن تيمية على أبي حنيفة بعدم وجود مسوغ للإنصات في السرية، فالآية ليست حجة لهم. وأن يقرأ في صلاة السر خير له من أن يبقى صامتاً. أما مذهب ابن حزم وبعض الشافعية في إبطال صلاة من لا يقرأ الفاتحة خلف الإمام في صلاة الجهر، فيرد عليهم بأن هذا قول محدث خلاف الإجماع الذي حكاه إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء. قال أحمد بن حنبل (وهو من هو في سعة اطلاعه وتشدده في الإجماع): «ما سمعنا أحداً من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ». وقال: «هذا النبي r وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، ما قالوا لرجل صلى خلف الإمام وقرأ إمامه ولم يقرأ هو: صلاته باطلة». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الإمام أحمد ذكر إجماع الناس على أنها لا تجب في صلاة الجهر».

وأول من خالف هذا الإ جماع هو ابن المديني (وهو ليس من الفقهاء) ثم لحقه البخاري وبعض الظاهرية مثل ابن خزيمة وابن حزم وبعض غلاة الشافعية المتأخرين. قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري، ما مختصره: «من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة، وإن فاته معه القيام وقراءة الفاتحة. وهذا قول جمهور العلماء، وقد حكاه إسحاق بن راهويه وغيره إجماعاً من العلماء. وذكر الإمام أحمد في رواية أبي طالب أنه لم يخالف في ذلك أحد من أهل الإسلام. هذا مع كثرة اطلاعه وشدة ورعه في العلم وتحريه ... وذهبت طائفة إلى أنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام، لأنه فاته مع الإمام القيام وقراءة الفاتحة. وإلى هذا المذهب ذهب البخاري في "كتاب القراءة خلف الإمام"، وذكر فيه عن شيخه علي بن المديني ... وقد وافقه على قوله هذا، وأن من أدرك الركوع لا يدرك به الركعة، قليل من المتأخرين من أهل الحديث، منهم: ابن خزيمة وغيره من الظاهرية وغيرهم ... وهذا شذوذٌ عن أهل العلم ومخالفةٌ لجماعتهم ... فتبين أن قول هؤلاء مُحدَثٌ لا سلف لهم به ... فقول القائل: "لم يصرحوا بالاعتداد بتلك الركعة" هو من التعنت والتشكيك في الواضحات، ومثل هذا إنما يحمل عليه الشذوذ عن جماعة العلماء، والانفراد عنهم بالمقالات المنكرة عندهم». إلى أن قال بعد بحث طويل: «وكان الحامل للبخاري على ما فعله: شدة إنكاره على فقهاء الكوفيين أن سورة الفاتحة تصح الصلاة بدونها في حق كل أحدٍ. فبالغ في الرد عليهم ومخالفتهم، حتى التزم ما التزمه مما شذ فيه عن العلماء، واتبع فيه شيخه ابن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير