المديني. ولم يكن ابن المديني من فقهاء أهل الحديث، وإنما كان بارعا في العلل والأسانيد».
واحتج الجمهور بأن جمهور العلماء متفقون على أن الإمام إذا لم يقرأ وقرأ من خلفه، لم ينفعهم قراءتهم. فدل على أن قراءة الإمام هي التي تراعى، وأن قراءته: قراءة لمن خلفه. قال ابن عبد البر في الاستذكار (4
243): «وجمهور العلماء مجمعون على أن الإمام إذا لم يقرأ، وقرأ مَن خلفه لم تنفعهم قراءتهم». واحتجوا كثيراً باتفاق العلماء على أن المؤتم إذا أدرك الصلاة والإمام راكع، أن صلاته صحيحة وأنه أدرك الركعة، مع أنه لم يقرأ بها. فدل على أن قراءة الإمام تكون قراءة له. وفي الاستذكار (5
67): «وأجمعوا أن إدراك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام». وقال الطحاوي (1
218): «رأيناهم جميعا لا يختلفون في الرَّجُلِ، يأتي الإمامَ، وهو راكعٌ أنه يُكَبِّرُ ويركع معه، ويَعتدُّ تلك الركعة، وإن لم يقرأ فيها شيئاً».
واحتج الجمهور بأن الإمام يجهر ليُسمع المأمومين –ولذلك يؤمنون على قراءته–، فإذا انشغل المأمومون بالفاتحة فما الفائدة من جهر الإمام؟ فيكون الإمام كأنه مأمور بأن يقرأ على قوم لا يستمعون إليه. ثم لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم لَلَزِمَ أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام، أو أنه يجب على الإمام السكوت حتى يقرأ المأموم الفاتحة. والأول منهي عنه بنص القرآن، والثاني لم يقل به أحد، وحديث "السكتتين" في الصلاة لا يصح. فإن قيل: أن وجوب القراءة قد استفيد بحديث "لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب" فيخصص الآية، قيل عمومه مخصوص بمن أدرك الإمام راكعا لحديث أبي بكرة، و الآية عامة في وجوب الإنصات في الصلاة و عمومها محفوظ. ولا شك أن العموم المحفوظ مقدم على العام الذي دخله التخصيص، كما هو مقرر في أصول الفقه. قال الألباني في ضعيفته (2
419): «وليس هناك حديث صريح صحيح لم يدخله التخصيص يوجب القراءة في الجهرية».
قال شيخ الإسلام: «وهذا قول الجمهور: كمالك وأحمد وغيرهم من فقهاء الأمصار وفقهاء الآثار. وعليه يدل عمل أكثر الصحابة وتتفق عليه أكثر الأحاديث». فقد أثبت أن هذا قول جمهور الفقهاء من أتباع التابعين من طبقة مالك فما بعده، وأنه قول أكثر الصحابة. وكل ذلك لا يعارض قول البخاري «وقال الحسن وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وما لا أحصى من التابعين وأهل العلم: "إنه يقرأ خلف الإمام وإن جهر". حدثنا صدقة، قال: أخبرنا عبد الله بن رجاء، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، قال: قلت لسعيد بن جبير: أقرأ خلف الإمام؟ قال: نعم، وإن سمعت قراءته. إنهم قد أحدثوا ما لم يكونوا يصنعونه. إن السلف كان إذا أم أحدهم الناس كبر ثم أنصت حتى يظن أن من خلفه قد قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ وأنصتوا» فإن غاية ما يقال من هذا أن عددا كبيراً من التابعين قد قال بهذا المذهب، وليس فيه أنه قول جمهورهم. لكن كلام تلميذه الترمذي كان صريحاً جداً: «واختار أكثر أصحاب الحديث أن لا يقرأ الرجل إذا جهر الإمام بالقراءة». وفي مصنف ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: سألته عن القراءة خلف الإمام قال: «ليس خلف الإمام قراءة». وهذا يعارض ما تقدم عن سعيد. مع أن هؤلاء الذين ينقل عنهم البخاري من التابعين لا يقولون بإبطال صلاة من لم يقرأ خلف الإمام في صلاة الجهر.
فالخلاصة أن الذي يقتضيه القرآن والحديث والأثر والقياس والنظر أن المؤتم يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن في صلاة السر، ولا يقرأ إذا جهر الإمام لا الفاتحة ولا غيرها. وهو قول جماهير السلف والخلف.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[18 - 02 - 09, 03:54 م]ـ
أقوى أدلة القائلين بوجوبها في الجهرية على المأموم - أخي الكريم محمد بن عمران- هو حديث عبادة رضي الله عنه بلفظ: (فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، ولكن الحديث مختلف في صحته، وقد أعله بعض الأئمة، والمحفوظ منه: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
فإن تقرر هذا، فالقول قول من لم يوجبها في الجهرية على المأموم لا سيما إذا قلنا بعدم وجوب أن يسكت الإمام بعد الفاتحة، وهو قول الجماهير .. وإلا فلا معنى لقراءة الإمام ما دام المأموم يقرأ. والله أعلم.
ـ[محمد بن عمران]ــــــــ[19 - 02 - 09, 07:36 ص]ـ
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ((إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ)) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِي وَاللَّهِ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا؛ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا)) رواه الترمذي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وله ألفاظ من حديث عبادة بألفاظ مختلفة. وحسنه الترمذي والدارقطني، وقال الخطابي: إسناده جيد لا طعن فيه.
¥