ويعارضه ما جاء عن ابن عباس وهو قوله:» كان r إذا نزل منزلاً فأعجبه المنزل أخّر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر، وإذا سار ولم يتهيأ له المنزل أخّر الظهر حتى يأتي المنزل، فيجمع بين الظهر والعصر «أخرجه أحمد 1/ 244 وسنده صحيح، وأنت ترى أنه لم ينص إلا على جمع التأخير.
فهذا يؤكد عدم ثبوت جمع التقديم لا في حضر ولا سفر إلا في عرفة.
ويؤكده أيضاً أنه لما سأل ابن شهاب الزهري سالمَ بن عبد الله: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ قال: نعم، ألا ترى إلى صلاة الناس بعرفة. (الموطأ 1/ 143 كتاب قصر الصلاة) فأنت ترى أن الحديث عن جمع التقديم في السفر وليس في الحضر، ولم يجد دليلاً إلا ما فعله النبي r في عرفة، وهي محل خلاف هل تكون دليلاً للجمع في السفر، لأن الحنفية يرون أن السبب ليس السفر ولكنه النسك (أي الحج).
وليس فيها دليل قط على الجمع في الحضر، لعدم وجود أدنى اشتراك في العلة بين حال الناس في عرفة وحالهم في محل إقامتهم الأصلية، على أنه من المعلوم اتفاقاً أن القياس في العبادات من أضعف الطرق في الاستدلال، بل إن أكثر العلماء يرون عدم القياس في العبادات أصلاً.
ولذا نلاحظ أنه لم يخرّج البخاري ولا مسلم شيئاً من أحاديث جمع التقديم، واتفقا على إخراج أحاديث جمع التأخير. .
كل هذا يؤكد أنه لم يكن قط معروفاً من سنن رسول الله r الثابتة شيء اسمه جمع التقديم في الحضر.
ولا يقال: ما فائدة جمع التأخير أو الجمع الصوري، فإنا نقول لهؤلاء: إن من يعلم شدة تأكيده r على الصلاة في وقتها يدرك معنى أن يخفف الشارع عن أصحاب الأعذار إذا أخّروا الصلاة عن وقتها لحاجة أو عذر لئلا يكونوا داخلين في وعيد الله) الذين هم عن صلاتهم ساهون (، فكان مشروعية جمع التأخير أو الجمع الصوري عند الحاجة مخرجاً لمن لم يتهيأ له الصلاة على وقتها لعذر.
ومن يستدل بجمع التقديم في المطر بمذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله؛ فعليه أن يقف على حقيقة مذاهبهم ودقائق شروطهم، فإنا رأينا الناس اليوم لا يلتفتون إلى شيء من ذلك.
فأما الحنابلة والمالكية فقد أجازوا جمع المغرب والعشاء تقديماً في الحضر، ولم يجيزوا جمع الظهر والعصر بعذر المطر، واستدلوا:
1 ـ بما أخرجه مالك (1/ 145) عن نافع عن ابن عمر:» كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم «.
2 ـ واستدلوا بما رواه الأثرم في سننه عن أبي سلمة:» مضت السنة الجمع في الليلة المطيرة «. (انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 44 رقم 6269 ونيل الأوطار 3/ 268).
ومع قولهم بالجمع في الليلة المطيرة فلم يجيزوا جمع الظهروالعصر تقديماً بعذر المطر مطلقاً، ورأوا أن العمل على خلاف ذلك فلم يأخذوا به، كما في بداية المجتهد 2/ 374.
ولنا أن نقف مع استدلالاتهم لنجد أن فعل ابن عمر مع الأمراء أشبه ما يكون بالجمع الصوري، إذ أخرج ابن أبي شيبة (2/ 44 رقم 6267) قال: حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله عن نافع قال:» كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا بالمغرب وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأساً، قال عبيدالله: ورأيت القاسم وسالماً يصليان معهم في مثل تلك الليلة «.
ويؤكد قضية الجمع الصوري ما سبق عن ابن عمر في صحيح الإمام البخاري أنه يؤخر المغرب ويعجل العشاء، وعلى هذا يحمل ما جاء في رواية الأثرم عن أبي سلمة، فمن من الناس اليوم يفعل هذا الجمع.
هذا، وبيّن المالكية شروط الجمع عندهم على النحو التالي: يجوز جمع التقديم لمن يصلي العشاءين (المغرب والعشاء) بجماعة في المسجد، إذا كان المطر غزيراً يحمل أوساط الناس على تغطية رؤوسهم، والوحل أو الطين كثيراً يمنع الناس من لبس الحذاء، ولا يجوز الجمع إلا باجتماع الوحل مع الظلمة، لا بأحدهما. (انظر كفاية الطالب 1/ 421 والفقه الإسلامي وأدلته 2/ 353).
وذكروا أنه يجوز بسبب المطر والبَرَد والثلج وليس البرْد، ومذهب الحنابلة نحو مذهب المالكية (انظرالفقه الإسلامي وأدلته 2/ 358).
أما الشافعية فأجازوا جمع الظهر والعصر تقديماً والمغرب والعشاء تقديماً، لكنهم وضعوا شروطاً دقيقة لجواز الجمع في الحضر بعذر المطر، وهي:
¥