عبد الله بن مسعود، حتى إنه لما بلغه أن عثمان أتَمَّ قال: [إنا لله وإنا إليه راجعون]، واستدل لإنكاره هذا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم و أبا بكر و عمر كانوا يقصُرون الصلاة، ثم كان يصلي هو خلف عثمان ويُتِم، وكذلك الصحابة يصلون خلفه ويتمون، وسئل عن ذلك فقال: [إن الخلاف شر]، ولو كان الصحابة يرون أنه واجب -أي: القصر- ما أتموا خلف عثمان؛ لأن من رأى أنه واجب قال: إذا زاد على ركعتين بطلت صلاته، ولا يمكن أن يصلوا خلف عثمان صلاة باطلة؛ لأن هذا محرم، فكنتُ أقول في الأول: إن القصر واجب، استناداً إلى حديث عائشة: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر وزِيْدَ في صلاة الحضر)؛ لكن من فعل الصحابة رضي الله عنهم يترجح أن القصر ليس بواجب؛ ولكنه سنة مؤكدة لا شك، وإذا قلنا: إنه سنة مؤكدة فإننا نقول: إذا ائتم المسافر بمقيم وجب عليه أن يتم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).
ولقول ابن عباس حين سئل عن الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً قال: [تلك هي السنة].
ويبقى هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة أم لا؟ نقول: يجب عليه أن يصلي مع الجماعة لعموم الأدلة الدالة على أن من سمع النداء وجب عليه أن يحضر، وأن يجيب؛ لكن لو فاتته الصلاة أو كان في مكان بعيد يشق عليه أن يذهب إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة فإنه يصلي صلاة مسافر، وإذا كانوا جماعة أقاموا الجماعة) اهـ.
(لقاء الباب المفتوح) شريط (138) ب.
(43) الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا).
السؤال:
كيف يمكن أن نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] والخشوع في الصلاة؟
الجواب:
(الجمع بينهما أن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) خاص، وقوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] عام، ما ذكر الله تعالى الصلاة ولا غير الصلاة، فيكون هذا العموم مخصوصاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ونقول للمأموم مع إمام يجهر بصلاته: اقرأ فاتحة الكتاب فقط، والباقي يجب عليك الإنصات.
وكل أحد يعلم أن النصوص العامة قد يلحقها تخصيص، ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الفجر ثم انصرف وقال للصحابة: مالي أنازع القرآن؟ ثم قال لهم: إذا سمعتم الإمام فلا تقرءوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
وهذا في صلاة الفجر وهي صلاة جهرية) اهـ.
(لقاء الباب المفتوح) شريط (143) أ.
(44) الجمع بين قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله: (فذكر إن نفعت الذكرى).
السؤال:
قلنا: عند قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وجوب التذكير على كل حال، وماذا يقال -يا شيخ- في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9]؟
الجواب:
(هذا الخاص، فهناك تذكير تذكر شخصاً معيناً، هذا يذكر من نفعته الذكرى، أما إذا علمنا أنه متمرد ويعرف الحق ولكنه معاند فلا.
وأما إذا كان عموماً فهو عام يذكّر على كل حال، هذا إذا قلنا: إن (إنْ) الشرطية يراد بها: حقيقة الشرط، أما إذا قلنا بالقول الآخر: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] المعنى: سواء نفعت أم لم تنفع، مثلما يقال للإنسان: علم هذا إن كان ينفعه العلم، المعنى: كرر عليه التعليم، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية أنه يُقصد بالشرط الاستمرار، فالعلماء لهم فيها قولان:
هل الشرط شرط مقصود بمعنى: ذكر إن رأيت في الذكرى منفعة وإلا فلا، فحينئذٍ نحملها على الخصوص لشخص معين أو طائفة معينة.
أما إذا قلنا: (إنْ) هنا بمعنى: إن نفعت أو لم تنفع يعني معناه: إن هؤلاء لا توجد فائدة ذكرت أو لم تذكر، فلا يقتضي التخصيص) اهـ.
(لقاء الباب المفتوح) شريط (156) ب.
يتبع ....
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[27 - 04 - 09, 01:23 ص]ـ
¥