تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا زجرك الزاجرُ، وقال: لا تتحايلْ على حقِ أختك، قلتَ ـ وقولك الفسل ـ: " لا أعطيها شيئًا، حتى لا يذهبَ المالُ إلى الغريب، فهي متزوجة من فلان ابن فلان الغريبِ البعيد"! قلنا: وهل المالُ مالك؟ وهل زوجُ أختك غريبٌ؟ وهل ذنبُ أختِك أنها أختُك، أم أن ذنبَها أنها متزوجةٌ زواجًا شرعيًا من فلان؟ أم هي لن تطالَ منك شيئًا سواء كانتَ أم لم تكن؟

بل هو الطمع، الذي أعمى القلوب، والجشع الذي لن يُشبعَ البطونِ، وحالك معهن حالُ البخيلِ الشحيح، الذي إذا سَأل أَلْحَف وإذا سُئِل سَوَّف، إذا سُئِل أَرَز وإذا دُعى انتهز، انتبه! استفق! لا يدخلُ الطمعُ مدخلاً إلا أعقبه الدمار، ولا يدخل الشرهُ مدخلاً إلا أعقبه البوار.

ألا فلتعلمَ أن ما أكلتَ من حق أختك؛ من مال وعقار؛ ستُطوقه يومَ القيامة بإذن الله، لو ظلمتها جنيهًا سيأتي عليك نارًا، ولو ظلمتها شبرًا من أرضِ فسيأتي حول عنقك يومَ القيامة نارًا من سبع أرضين، قال الصادق المصدوق ُالذي لا ينطق عن الهوى: " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" [أخرجه البخاري، في كتاب المظالم].

وهذا الحديثُ له قصةٌ عجيبة في صحيح مسلم؛ وذلك أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ ـ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ـ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".

فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا! فَقَالَ سَعِيدُ بْن زَيْدٍ ـ رضي الله عنه ـ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا!

قال بعض الرواة: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ [أخرجه مسلم 3022، في كتاب المساقاة]

وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " َخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ، أَوْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ" [أخرجه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].

وأحسب ـ والله ـ أن جريمة أكلِ حقوقِ البنات ـ في الميراث ونحوه ـ من " نَهْب المُؤْمِن"، بل هي من السبع المهلكات ـ ولا سيما في حال اليتيمات ـ

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ!!! " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: " الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ [أخرجه البخاري]

...

المساواة في الهبات:

هذا، يجب على الآباء أن يعدلوا بين الأبناء في الهبات، الجميع سواء، البنت مثل الابن سواء بسواء؛ ولا يقولن أحدٌ إن للذكر مثل حظ الأنثين في الهبات قياسًا على الميراث، فهذا رأيٌ ضعيف لقول النبي ـ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ـ: "سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ" [أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي، وحسنه ابن حجر، وضعفه الألباني].

ولقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ" [أخرجه البخاري في كتاب الهبة]، ولفظ الولد لغةً وشرعًا ينسحب على الذكر والأنثى، فالابن ولد، والبنت ولد، وهما ولدان، وهم جميعًا ـ ذكورًا وإناثًا ـ أولادٌ.

وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ:

سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا غُلامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ، لِهَذَا قَالَ: " أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ " [أخرجه البخاري في كِتَاب الشَّهَادَاتِ].

فإذا وهب الأبُ لإبنٍ من أبنائه قطعةَ أرضٍ على مساحة فدانٍ ـ على سبيل المثال ـ؛ فإنه يجب على الأب حيئنذٍ أن يُعطي لجميع الأولاد مثل مثل ما أعطى هذا الولد، ذكورًا وإنثًا، للذكر فدانٌ وللأنثى فدانٌ أيضًا، ولا عذر له ولو تعلل بعلل عليلة كأن يقول: إن هذا ولد بار وذاك ولدٌ عاق، أو إن هذا ذكر يأخذ، وهذه بنت لا تأخذ، فكل هذه الأفكار باطلة فاسدة لا تساوي فُسَيَّة نمس.

...

يا مسلم! أيسرك أن تأكل ثمرةَ فاكهة ٍمسمومةٍ، أو أن تطعمها أولادك، أو أن ترى رجلاً غافلاً يهم بأكلها وتتركه؟ أيسرك ذلك؟

لأكلُك حقًا ليس لك لهو أخفَُ ضرراً من أكلك طعامًا مسمومًا يقتلك؛ إذا أن أكلَك حقًا ليس لك يؤدي بك إلى نار جهنم التي تشوي لحوم الظالمين.

ولئن تتركَ ولدَك يشربُ سمًا ناقعًا زُعافًا؛ لهو خيرٌ لك وله من أن تتركه يأكل حق أخِته من إرثك الذي خلفت.

ولئن تُنقذَ إنسانًا من الوقوع في جريمة أكل حقوق البنات لَذَلك أعظمُ خيرًا وبركةً من إنقاذه من الموت. فالعملَ العمل.


** كاتب وداعية مصري، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المشرف العام على موقع نبي الرحمة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير