[المذاهب الكلامية ,,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[20 - 08 - 08, 02:24 ص]ـ
[=,-] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته [/]
[- if'] وأمّا المذاهب الكلامية فلم يكن أثرها بالقليل في تفرّق المسلمين وتمزّق شملهم , ولكنّها لمّا كان موضوعها البحث في وجود الله وإثبات صفاته وما يجب له من كمال وما يستحيل عليه من نقص – كل ذلك من طريق العقل – كانت دائرتها محدودة وكان التعمّق فيها من شأن الخواص , وقعد بالعامّة عن الدخول في معتركها وإحساسها بالتقصير في أدواته من جدل وعقليات يحتاج إليها في مقامات المناظرة والحجاج , فليس عِلم الكلام كعِلم التّصوف مطية ذلولاً يندفع لركوبها العاجز والحازم. [/ font]
[] فالتّصوف شيئ غامض يسعى إليه بوسائل غامضة , ويسهل على كل واحد ادعائه والتّلبيس به , فإن خاف مُدّعيه الفضيحة لم يعدم سلاحاً من الجمجمة والرّمز وتسمية الأشياء بغير أسمائها , ثم الفزع إلى لزوم السّمت والتّدرّع بالصّمت والإعراض عن الخلق والانقطاع والهروب منهم ما دام هذا كله معدوداً في التّصوف وداخلاً في حدوده. [/ font]
ولا كذلك علم الكلام الذي يفتقر إلى عقل نيّر , وقريحة وقّادة , وذكاء نافذ , ويحتاج منتحله إلى براعة ولسن ومران على المنطق ومقدماته ونتائجه وأقيسته وأشكاله.
ولِمَ كلّ هذا العدد؟
كل هذه العُدد للمناظرات وما تستلزمه من إيراد ودفع , وإفحام وإلزام , وأين العامّة من هذا كله؟!
لذلك لم يكن لها من حظ هذا العلم إلاّ معرفة أسماء بعض الفِرق والانتصار لها انتصاراً تقليدياً.
ولذلك كانت آثار التفريق الناشئة عن هذه المذاهب الكلامية قاصرة على طبقات مخصوصة , ولم تتغلغل في العامّة كما تغلغلت آثار التّصوف.
وقد انقرضت تلك الفرق , وانقرض بانقراضها سبب جوهري من أسباب التفرق بل مات بموتها شاغل طالما شغل طائفة من خيرة علماء المسلمين ببعضهم , وجعل بأسهم بينهم شديداً , وألهاهم بما يضر عمّا ينفع.
تلاشت تلك الفرق ولم تبق إلاّ أخبار معاركها الجدلية في كتب التاريخ , وإلاّ آراؤها المدونة في كتبها فتنة للضعفاء وتبصرة للحصفاء ,ولم يبق من تلك الأسماء التي كونت قاموساً في الأنساب إلاّ اسمان يدوران في أفواه العامّة وأشباه العامّة , ويستعملونهما في أغراض عاميّة وهما: (أهل السنة والمعتزلة).
ومن المحزن أن دراسة علوم التوحيد حتى في كلياتنا (الراقية) كالأزهر والزّيتونة لاتزال جارية على تلك الطرائق وفي تلك الكتب , ولا تزال تقرر فيها تلك الآراء , ولاتزال تذكر فيها أسماء تلك الفرق التي لم يبق لها وجود.
يستعرض سيّدنا المدرس تلك الآراء ثم يدحضها ويقيمها ثم ينقضها , وتقتطع أوقات الطلبة المساكين في ذلك. . ويا ضيعة الأعمار. [/ font]
ا للفضيحة!!! ..
وإذا نحن وازنّا بين ما أجداه علينا عِلم الكلام وبين ما خسرناه بسببه وجدنا الخسارة تربو على الربح , فتوحيد الله مقرر في القرآن بأجلى بيان وأكمل برهان , وصفاته لا يطمع طامع أن يأتي في إثباتها بأكمل مما أتى به القرآن , وطريقة القرآن في التنزيه أقوم طريقة , وقد جرى عليها الصحابة فكانوا أكمل الناس توحيداً مع أنهم لا يعرفون الجوهر والعَرَض , وهل يبقى زمانين؟ ولا الكم ولا الكيف بمعانيها الفلسفية الدقيقة. [/ font]
[-] وعلى هذا فما معنى إضاعة الوقت , وإعنات النّفس في معرفة هذا العلم المسمّى بعِلم الكلام؟ [/]
ولوكان هذا العلم المستحدث ذا قواعد طبيعية لا تنقض كقواعد الحساب أو الهندسة مثلاً لخف ما يلقى الناس في تعلمه من عناء , ولكننا رأينا تلك القواعد تتهاوى في المناظرات القولية أو القلمية كفقاقيع الماء , فلا يكاد يبني الباني حتى ينبري له هادم ينقض ما بنى ويتبر ما علا.
[=,] فواأسفاه على تلك الحملات العنيفة التي كانت جهاداً ولكن في غير عدو. [/ font]
ووالهفاه على ذلك النقع المثار وقد انجلى عن غير فتح ولا غنيمة , وواحسرتاه على ذلك الذكاء الذي كانت تكاد تشف له حجب الغيب , ذكاء أبي بكر الباقلاني , وفخر الدين الرازي , وأبي الهذيل وابن المعلم , وقد ضاع فيما لا تعود على الإسلام منه عائدة , ولا تنحبر له منه فائدة. [/ font]
وإنّك لتطالع تفسير الرازي مثلاً فتتلمّح من جملته ذكاء يشع , وقريحة تتقد , وألمعيّة تكاد تنتزع منك بنات صدرك , فتظنّ أن سينكشف لك عن الجهات المتّصلة بنفسك من القرآن , ويجلي لك سُنن الله في الأنفس والآفاق
وإذا بالظّن يخيب , والفال يكذب , وإذ ترى تلك القوى مصروفة إلى جهة غير التي تريد , وترى الرجل وقد غُلِب على ذكائه , وجرفته العادة التي تملكه إلى الآراء والعقليات وإثارة الشبهات. [/
وترى ذلك الذهن العاتي يتخبّط في مضائق هي دون قدر القرآن ودون قيمة ذلك الذهن حتى ليسف فيزعم لك –مثلاً – أنّ أولى العلم في قوله تعالى: " شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط " هم أهل الأصول. [/]
ونحن نعتقد أن الرّجل وأمثاله من الأذكياء ما أتوا إلا من غرامهم بهذه المباحث الكلامية واستهتارهم فيها.
[] ويميناً , لو أنّ تلك الجهود التي تفرقت على الكلام تألّفت على جهة عقلية أخرى لفتحت في العلم فتحاً أغر زاهراً , ولتعجّلت به الفخر بالإسلام وأهله.