تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتوكل)) اعتراف بأن السبب وحده ليس هو الكفيل بالحفظ إلا إذا شاء الله تعالى.

واعلم أن الأخذ بالأسباب بمسبباتها، فربط المطر بوجود السحاب، وربط إنجاب الولد بالزواج، وربط دخول الجنة بالعمل الصالح، فالمسبب في شريعتنا لا يقع إلا إذا وقع سببه لكن قد يقع السبب ويختلف عنه سببه لحكمة يعلمها الله تعالى فقد يوجد السحاب ولا يوجد المطر لكن لا يوجد مطر إلا بسحاب، وقد يوجد الزواج ولا يوجد الولد لكن لا يوجد ولد إلا بجماع، وقد يتحقق العمل الصالح لكن يتخلف عنه دخول الجنة لكن لا يدخل الجنة إلا من عمل صالحًا. ولذلك قال الله تعالى بعد ما ذكر ما في الجنة وأنه أعدها لعباده المؤمنين قال: ? جزاءً بما كانوا يعملون ? والباء هنا باء السبب أي بسبب أعمالهم، لكن ليست باء العوض، أي لأنهم عملوا صالحًا دخلوا الجنة، كقولك: اشتريت كذا بكذا، فإن أحدًا لن يدخل الجنة بعمله حتى رسول الله - ? - ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله)). قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)). فالباء في قوله: ((بعمله)) هي باء العوض والمقابلة. والباء في قوله تعالى: ? بما كانوا يعملون ? هي باء السبب، فالأعمال سبب من أسباب دخول الجنة، لكن ليست الجنة عوضًا لازمًا للأعمال، قال ذلك أبو العباس بن تيميه.

إذا علمت هذا فاعلم أن الأسباب نوعان باعتبار معرفتنا بمسبباته، أي عرفنا أن هذا سبب لهذا عن طريقين عن طريق الشرع وعن طريق القدر، فالشرع يخبرنا أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء ومترتب عليه: كقوله تعالى: ? جزاءً بما كانوا يعملون ? فأخبرنا أن الأعمال الصالحة سبب من أسباب دخول الجنة والآيات كثيرة، وكذلك القدر أي عرفنا قدرًا أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء، كعلاج الحرارة دلت التجربة على أنه سبب لانخفاضها، وعلاج الإسهال دل على أنه سبب لإمساك البطن والبروز للحرارة دل على أنه سبب للإصابة بالحمى وهكذا، فمن ادعى أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء فنحن نطالبه بالدليل الذي دله على هذه السببية، إذا علم هذا فليعلم أن كل من تعلق سببًا لم يدل عليه دليل شرعي أي لم يدل على سببيته شرع من كتاب وسنة، ولم يدل عليه قدر كالتجربة مثلاً فلا يخلو من حالتين: إما أن يعتقد أن هذا السبب هو الفاعل للمسبب بذاته، فإذا اعتقد ذلك فهذا هو الشرك الأكبر، إما أن يعتقد أن الفاعل هو الله تعالى لا السبب وهذا سبب فقط فهذا شرك أصغر لأن الأصل أن الله هو الذي يربط الأسباب بالمسببات، فالأسباب الشرعية خاصة توقيفية على الدليل فإذا اعتقد الإنسان أن هذا الشيء سبب ولا دليل عليه فيكون قد نصب نفسه مشرعًا وتكلم فيما لا يعنيه وهو حرام لا يجوز، ولأن الأسباب قد يكون ارتباطها بمسبباتها ارتباطًا غيبيًا لا يدرك فكيف يقال إن هذا الشيء سبب لهذا الشيء وهو غير محسوس ففيه نوع من ادعاء علم الغيب ولأن هذا أي اتخاذ الأسباب بلا دليل وسيلة للشرك الأكبر والقاعدة تقول: أن كا ما كان وسيلة للشرك الأكبر فهو شرك أصغر والوسائل لها أحكام المقاصد. إذا عرفت هذا وفهمته فهمًا جليًا فهاك فروعًا على هذه القاعدة العظيمة حتى تتضح:

منها: التمائم: هي حرام وشرك دل على تحريمها السنة والإجماع، وهي حرام حتى وإن كانت من القرآن على الصحيح لأوجه ثلاثة مذكورة في غير هذا الموضع، والمراد أن بعض الناس يتخذ التمائم ويقصد بها دفع الشر وجلب الخير فأناس يتخذونها لدفع العين وبعضهم للحماية من الجن وبعضهم للوقاية من السحر، فهم اتخذوها واعتقدوا فيها هذا الاعتقاد، فهم لا يخلون من حالتين: إما أن يعتقدوا أنها هي الفاعلة بذاتها أي هي التي تدفع الشر وتجلب الخير بذاتها فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة بالكلية والعياذ بالله تعالى فهو شرك في الربوبية.

وإن اعتقدوا أن الله هو الدافع للشر الجالب للخير لكن هذه التمائم سبب من الأسباب الدافعة للشر الجالبة للخير فهذا شرك أصغر؛ لأن الشرع لم يدل على أن من أسباب دفع الشر تعليق التمائم، بل حتى ولا القدر فنحن نرى أناسًا قد علقوها ومع ذلك تصيبهم المصائب الكثيرة، فالتمائم لم يدل عليها شرع ولا قدر فما بالك إذا كان الشرع قد دل على تحريمها وأنها شرك، فمع هذا لا يجوز اتخاذها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير