تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاءت المسيحية الصادقة الموحاة فردت الأمر إلى حالته الطبيعية: عالم الحس، للإنسان أن يفكر فيه ويستنبط، وعالم الروح يتفهمه الإنسان عن طريق الوحي.

ولكن التيار الفلسفي اليوناني- وقد أصبح سنة مألوفة - غزا الجو المسيحي وأخذ مكانته المرموقة بين المفكرين الغربيين فنشأ فيهم الفلاسفة ونشأت في أجوائهم الفلسفة.

وأخذ فلاسفة الغرب يحاولون التوفيق بين المسيحية والفلسفة وكان أبرزهم في هذا المجال الفيلسوف (توما الإكويني).

وإذا قرأت (ديكارت) تجده كأنه كان يمشي على الشوك وهو يتفلسف محاولا- ما استطاع إلى ذلك سبيلا- مداراة القساوسة وعلماء الدين والجو العام الفلسفي إذ يعلن، في مجاملة بالغة، أنه يؤيد الدين ولا ينحرف عنه وأنه يقدم إنتاجه ويعرضه على علماء الدين متقبلا ملاحظاتهم التي يوليها عنايته الفائقة، كان هذا موقف ديكارت وغيره. .

*وكان الإسلام- من قبل ديكارت ومن قبل الإكويني -: يهدي للتي هي أقوم، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويقود الإنسانية نحو مرضاة الله تعالى، ووضع الأمور في نصابها مبينا بأسلوب لا لبس فيه أن: العقيدة والأخلاق ونظام المجتمع والتشريع من أمر الله تعالى، وقد شاء الله سبحانه أن يرسم للإنسانية طريقها المعصوم في كل ذلك فأرسل الرحمة المهداة، خاتم النبيين - محمدا صلى الله عليه وسلم -: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا.

* ولكن الفلسفة اليونانية دخلت على استحياء في عهد المنصور، وقوي جناحها في عهد المأمون، وأصبح في الأمة الإسلامية فلاسفة.

والآن نتساءل: ما هي السمات العامة للفلسفة؟

إنه لا يتأتى أن نحدد في صورة مقنعة موقف الإسلام من الفلسفة قبل تحديد سماتها العامة، فما هي هذه السمات؟

وأول سمة من هذه السمات، وهي أهمها، وتعتبر كالمنبع الذي عنه تفيض السمات الأخرى- هي أن الفلسفة لا مقياس لها للتفرقة بين الحق والضلال، بين الصواب والخطأ. فإذا اختلف فيلسوفان في أمر من أمور الفلسفة فإنهما لا يجدان مقياسا عقليا بحتا يرجعان إليه للحسم بينهما في موضوع الخلاف.

أما في العلم المادي فإن المقياس هو "التجربة" فإذا اختلف عالمان في أمر كوني رجعا إلى التجربة، وهي تعلن في صراحة مشاهدة خطأ هذا وصواب ذاك.

ما هو، في عالم الفلسفة، الذي يجري مجرى التجربة في مجال العلم؟

لا شيء. . .

ما الذي يحسم الخلاف في عالم الفلسفة؟

لا شيء. .

ما هو المرجع العقلي البحت من أجل الاتفاق في عالم الفلسفة؟

لا مرجع.

ولقد شعر الفلاسفة بذلك: فقام اثنان من كبار عباقرة الفلسفة بمحاولة لإيجاد هذا المقياس، وهما (أرسطو) في الماضي و (ديكارت) في العصور الحديثة.

ولقد أخفق كل منهما إخفاقا تاما كاملا.

ونبدأ الحديث عن أرسطو - ولا ننسى أننا في عالم الإلهيات: مجال الفلسفة الرئيسي - لقد فكر أرسطو وقدر، ثم فكر وقدر، وخرج على العالم بما يسمى (المنطق الأرسطي) أو (المنطق الصوري) وأخذ هذا المنطق في عالم الفكر الفلسفي مجالا من الشهرة والعناية لا حد له. وأخذ في الجو الإسلامي شهرة ذائعة الصيت.

وتبناه جميع فلاسفة الإسلام ابتداء من (الكندي) في المشرق إلى (ابن رشد) في المغرب.

ولكن كثيرا من المسلمين ذوي الأصالة في الفكر الإسلامي أبانوا في وضوح أن المنطق الأرسطي منهار، وأنه متهافت، وأن الخلل في جوهره وأركانه وأنه خلل لا يصلح. وكان من هؤلاء (ابن تيمية) الذي كتب كثيرا في نقد المنطق ونقضه: لقد كتب في ذلك كتبا وكتب في ذلك فقرات منثورة هنا وهناك في خلال كتبه الكثيرة وفتاواه المستفيضة.

وممن كتب في نقد المنطق ونقضه: ابن حزم.

والمحدثون جميعا لا يجد المنطق عندهم ترحابا ولا قبولا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير