تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان هذا هو خلاصة رأيي في هذه المسألة، وهو ما أجملته في جوابي على ذلك السؤال، وما كدت أنهي ذلك البرنامج حتى انهالت علي الاتصالات والرسائل مستنكرةً ما قلته مما أدين الله تعالى به، وأعتقد صحته، ولا أبتغي به رضى سلطة ولا عامة، وما تكلمت بهذا إلا حين سئلت، ولولا الخشية من معرة كتمان الحق ومداهنة الخلق لما قلت ما قلت، لأني أعلم أن هذا سيحمله بعض الناس على غير وجهه، وسيُشكل على آخرين من مشايخي وأحبتي ممن يرون تحريم هذه الأيام والمشاركة فيها، وقد صدعت بما ترجح عندي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ولو ظهر لي خلاف ذلك لما ترددت في الرجوع عنه على رؤوس الأشهاد، فغايتي هو الحق، وليس لي مصلحة في إباحة هذا الأمر أو تحريمه، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس" وفي رواية: "من الْتَمَسَ رضَا اللَّه بسَخَط النَّاس كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاس، وَمَنْ الْتَمَسَ رضَا النَّاس بِسَخَط اللَّه وَكَلَه اللَّه إِلَى النَّاس" رواه الترمذي والبيهقي وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني.

ويمكن إجمال ما وردني من الإشكالات في أربعة أمور:

الأول: أن هذه أعياد بدعية خارجة عن الأعياد التي دلت عليها الأدلة الشرعية، وهي عيد الفطر والأضحى، ويوم الجمعة الذي هو عيد الأسبوع، وتسميتها بالأيام لا يغير من حقيقتها شيئاً، فهي أعياد تتكرر كل عام، والعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.

الثاني: أن فيها تشبهاً بالكفار، ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما نطق بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أن إباحة الاحتفال بمثل هذه الأيام يستلزم إباحة الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج والهجرة وبدر وفتح مكة وأمثالها من المناسبات الشرعية، كما يستلزم إباحة الاحتفال بعيد الحب وأمثاله من الأعياد الكفرية الفاجرة.

الرابع: أن هذه الأيام وبخاصة اليوم الوطني يتخللها الكثير من المنكرات والمخالفات الشرعية، فيكون تخصيص هذا اليوم والاحتفال به حراماً، لأن ما كان وسيلة لحرام فهو حرام.

وقبل أن أجيب عن هذه الإشكالات أذكِّر كل ناظر في هذه المسألة من إخواني طلاب العلم بأن الواجب في دراسة القضايا الشرعية هو بحثها بتجرد، دون استبطان مقررات وأحكام سابقة يعتقدها الباحث ثم يجتهد في الاستدلال لها، وردِّ ما خالفها، ولو كان أقوى دليلاً وأهدى سبيلاً.

أما الإشكال الأول، فيجاب عنه بأن المنهي عنه هو التشبه بالكفار في أعيادهم ومشاركتهم فيها، كما يدل عليه حديث أنس رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟ " قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه ابن تيمية والألباني.

فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن التشبه بالكفار ومشاركتهم بالاحتفال في ذينك العيدين الجاهليين، قال الشيخ علي القاري: "وهذا كله احتراز من التشبه بالكفار في أفعالهم".

فإن قيل: من أين لكم أن الحديث يدل على تحريم الاحتفال بذينك اليومين الجاهليين وأمثالهما من أعياد الكفار؟ فالجواب ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"1/ 386ـ: "أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: "إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين"، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله سبحانه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} وقوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} ثم قال: "فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما" يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله: "خيراً منهما" يقتضي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير