وقد قال الذهبي عن أبي المظفر السمعاني: (تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة).
وهذه القصة تدل على أن هذا المذهب كان يمثل مدرسة أهل الحديث، وأنه لم يكن قد اصطبغ ببدع المتكلمين إلى ذلك الوقت.
الأمر الثاني: نصوص كثير من أئمة الشافعية إلى هذه الفترة، الدالة على ما قررته من سنية المذهب).
حكم إمام الشافعية (ابن خزيمة) في مُنكري صفة العلو:
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله (ت311هـ): (من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سماواته، بائن من خلقه: فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة).
من أين أُتي متأخرو الشافعية " الأشاعرة "؟
قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -:
(والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله؛ لأنه كفر وتشبيه: إنما جر إليه ذلك تنجيسُ قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله –جل وعلا- وعدم الإيمان بها، مع أنه –جل وعلا- هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبِّهاً أولاً، ومعطِّلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظماً لله كما ينبغي، طاهراً من أقذار التشبيه: لكان المتبادر عنده، السابق إلى فهمه: أن وصف الله –جل وعلا- بالغٌ من الكمال والجلال ما يقطعُ أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق ... ).
وقال رحمه الله: (والواقع في نفس الأمر: أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها لكل مسلم راجعَ عقله: هي مخالفة صفات الله لصفات خلقه.
ولابد أن نتساءل هنا فنقول: أليس الظاهر المتبادر مخالفة الخالق للمخلوق في الذات والصفات والأفعال؟
والجواب الذي لا جواب غيره: بلى.
وهل تشابهت صفات الله مع صفات خلقه حتى يُقال إن اللفظ الدال على صفته تعالى ظاهره المتبادر منه تشبيه بصفة الخلق؟
والجواب الذي لا جواب غيره: لا.
فبأي وجهٍ يتصور عاقل أن لفظاً أنزله الله في كتابه .. دالاً على صفةٍ من صفات الله، أثنى بها تعالى على نفسه: يكون ظاهره المتبادر منه مشابهته لصفة الخلق؟ سبحانك هذا بهتان عظيم).
اعتراف مهم للرازي:
قال تحت عنوان: "حكاية شبهات مثبتي الجسمية والمكان":
(الشبهة السابعة: إن جميع كتب جميع الأنبياء والرسل –عليهم السلام- مملوءة من كونه في جهة فوق. أما القرآن: فقد جاء في كونه على العرش بصريح اللفظ سبع مرات، وذكر أيضاً: (وهو القاهر فوق عباده)، وقوله:) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، والألفاظ الدالة على النزول والتنزيل كثيرة جداً، والآيات المشتملة على لفظ (إلى) الدالة على انتهاء الغاية خارجة عن الحد، وليس في القرآن البتة لفظ يدل على نفي الجهة.
فلو كان الدين الحق عنده نفي الجهة: لكان من الواجب أن يذكر ذلك مرةً واحدة؛ فلما أثبت الجهة في آياتٍ لا حصر لها، ولا حد لها، ولم يذكر البتة نفي الجهة: علمنا أنه تعالى كان مصراً على إثبات الجهة.
وأما الأخبار المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا حصر لها ولا حد.
وأما التوراة: فمملوءة من هذه المعاني.
فهذا يدل على أن الأنبياء والرسل –عليهم السلام- كانوا متفقين على إثبات الجهة لله تعالى.
وليس لقائل أن يقول: إنا نذكر لهذه الألفاظ تأويلاتٍ؛ وذلك: لأن الدين الحق لو كان هو التنزيه الذي ذكرتموه، لكان من الواجب أن يرد في هذه الكتب الإلهية ما يدل على تقرير هذا الأصل العظيم، وعلى تأكيده بصريح اللفظ، حتى يصير الحق معلوماً، وحينئذ نصرف بقية الألفاظ إلى التأويل؛ ولما لم يرد في شيء من الكتب الإلهية البتة ما يدل على التنزيه الذي تذكرونه، ورأيناها مملوءة بالألفاظ الدالة على كونه تعالى موجوداً في (الفوق)؛ علمنا: أن مذهب الأنبياء والرسل –عليهم السلام- هو هذا المذهب، وأن الذي تقولونه مخالف لأديانهم ومذاهبهم).
¥