تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنه لما التزموا ذلك جرهم إلى القول بالمتعلقات أو التعلق في صفات الله وهي مسألة عجزت عقولهم عن فهمها فضلا عن تفسيرها.

ولذلك قال القرطبي: إن الخوض في تعلقات الصفات واختصاصاتها من تدقيقات الكلام، وإن العجز عن إدراكه غير مضر في الاعتقاد!.

فقالوا بالفرق بين قيام الصفة بالله منذ الأزل وبين قيامها بالله بعد ذلك فقالوا إن إضافتها إلى الله ليست إضافة حقيقية وإنما هي إضافة نسبة وتعلق.

وقد قسموا التعلق إلى تعلق قديم صلوحي وتعلق تنجيزي حادث.

ويعنون بالأول قيام الصفة بالله سبحانه وتعالى منذ الأزل.

وبالثاني قيامها به بعد ذلك.

فمثلا صفة الإرادة عندهم قديمة ولكن هذه الصفة لا تجدد عندهم وإذا أضيفت فهي إضافة تعلق ونسبة.

وكذا صفة السمع وصفة البصر فالله لا يتجدد له السمع والبصر فلا حقيقة لذلك وإنما هو تعلق ونسبة وإضافة.

فمثلا قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} فلم يسمع الله حقيقة قول هذه المجادلة وإضافة السمع هنا تعلق تنجيزي والمراد به انكشاف العلم به , وليس سمعا حقيقيا , فالتعلق هو الحادث من غير حدوث الصفة!.

حقيقة قولهم في صفتي السمع والبصر

فمرد صفتي السمع والبصر عند الأشاعرة إلى العلم؛وإن كابروا في إنكار ذلك وحاولوا التنصل من ذلك فمرد كلامهم في الحقيقة في هاتين الصفتين إلى مزيد الانكشاف تارة, و تارة كعلمين مخصوصين بالموجودات وتارة كإدراكين زائدين على العلم؛ فمجمل كلامهم حول هاتين الصفتين مرده إلى العلم وليس إلى سمع حقيقي وبصر حقيقي.

قال الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد: فإن العلم كمال والسمع والبصر كمال ثان للعلم، فإنا بينا أنه استكمال للعلم.

وقال الآمدي في غاية المرام: إن الإنسان قد يجد من نفسه معنى زائداً عند السمع والبصر على ما كان قد علمه بالدليل أو الخبر وذلك مما لا مراء فيه كما سبق فالمعني بالإدراك ليس إلا هذا المعنى وسواء سمى ذلك علماً أو إدراكاً وسواء كان متعلقه أمراً تقييديا أو تفصيلياً أو معنى خاصاً أو غير ذلك من المتعلقات فإن حاصل ذلك ليس يرجع إلا إلى محض الإطلاقات ومجرد العبارات فلا مشاحة فيها بعد فهم معانيها.

ويقول أيضا: ومن عرف سر هذا الكلام عرف غور كلام أبى الحسن في قوله إن الإدراك نوع مخصوص من العلوم لكنه لا يتعلق إلا بالموجودات وإذا عرف ذلك فالعقل يجوز أن يخلق الله تعالى في الحاسة المبصرة بل وفى غيرها زيادة كشف بذاته وبصفاته على ما حصل منه بالعلم القائم في النفس من غير أن يوجب حدوثا ولا نقصا.

وقال سعيد فودة في شرح عقيدة ابن الحاجب المالكي

والحقُّ أن هذا الأمر -أي كونهما زائدتين على العلم- ليس من الأمور التي هي من العقائد القطعية، بل فيها خلاف بين العلماء، لأن أدلتها لم ترتق إلى مستوى القطع، ومعلوم أنه لا يدخل في العقائد التي يكفر من يخالفها إلا ما كان من الأمور القطعية.

ولذلك أشار المصنف العلامة إلى ما ذكرناه هنا فقال: إن كونهما صفتين زائدتين على العلم إنما هو بناءاً [على] القول [الأَصَحِّ] عنده وعند جمهور العلماء، والأصل السير على القول الأصح والمشهور حتى يتبين أن دليله ليس راجحاً كما في هذه المسألة.

الإشارة إلى اختلاف أهل السنة في معنى السمع والبصر

واعلم أن المشهور أن جمهور الأشاعرة على القول بأن سمعه تعالى وبصره هما صفتان غير العلم، وأن ما ينكشف بهما غير ما ينكشف بالعلم، وأن كلاً منهما يتعلق بالموجودات لا بالمسموعات والمبصرات فقط، تعلقاً يترتب عليه انكشاف متمايز لكل منهما، وهذا كلُّه مبنيٌ على القول أن للعلم تعلقاً واحداً فقط هو تعلق تنجيزي قديم، وأما على ما حققه بعض الأفاضل من قول الإمام الأشعري فإن للعلم تعلقين: أحدهما تنجيزي قديم والآخر تنجيزي حادث عند حدوث المسموعات والمبصرات، وهذا التعلق الحادث هو المعبر عنه بالسمع والبصر، فيرجعان عنده إلى العلم وهو اللائق بمذهبه حيث إنه يقول: إن الحس راجع إلى العلم بالمحسوس.

وأما السادة الماتريدية الأحناف فقالوا: إن السمع والبصر راجعتان إلى العلم، وهما وإن رجعا إلى صفة العلم بمعنى الإدراك، فإثبات صفة العلم إجمالاً لا يغني في العقيدة عن إثباتهما تفصيلاً بلفظيهما الواردين في الكتاب والسنة، لأنا متعبدون بما ورد فيهما.

شرح عقيدة ابن الحاجب المالكي (38)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير