تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ووسط: أما الطرفان فالطرف الأول: هم الجبرية الذين جردوا الإنسان من إرادته وقالوا إن الإنسان مجبور على فعله لا اختيار له وجعلوا فعل العبد هو فعل الله, تعالى الله عن هذا علوا كبيرا وهذا باطل يستلزم باطلا عظيما الطرف الثاني: هم القّدَرِيَّة الذين يقولون أن الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه وأثبتوا بأقوالهم هذه أربابا مع الله, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا, بل إن قولهم يستلزم أن يقع مراد المخلوق ولا يقع مراد الخالق وهذا القول أعظم بطلانا وأعظم فرية على الله تعالى من الطرف الأول وكلا الطرفين على خلاف الحق. نسأل الله السلامة. وأما الطرف الوسط: هم أهل السنة والجماعة الذي يؤمنون بنصوص الوحيين ويفهمونها كما فهمها سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين, فهم يؤمنون بقوله تعالى: فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة 223) وقوله جل وعلا: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً (التوبة 46) وقوله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (الفرقان 57) فأثبت الله تعالى للعبد إتياناً واتخاذا بمشيئته وإعداداً بإرادته. وقد قرر الشيخ رحمه الله تعالى أن للعبد اختيارا وإرادة ومشيئة بهما يكون الفعل من خمسة أوجه, ذكرها في الأصل السادس من أصول الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره, أشرحها وأزيدها بسطا هناك إن شاء الله تعالى. وأهل السنة والجماعة يؤمنون كذلك بقوله تعالى: لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير 28 - 29) وقوله تعالى: وَلَوْ شَآءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة 253) وقوله جل وعلا: وَلَوْ شَآءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (الأنعام 137).فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السموات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن. وكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك قد شاءها الله تبارك وتعالى. وأهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما جاء في نصوص الوحيين ولا يحرفون ولا يعطلون ولا يؤمنون ببعض النصوص ويكفرون بالبعض الآخر, بل هذه هي صفات أهل البدع والإنحلال والضياع والضلال. ولهذا قال علماء أهل السنة والجماعة – بعد استقراء نصوص الوحيين – أن إرادة الله تبارك وتعالى على نوعين. النوع الأول: إرادة كونية وهي التي تأتي بمعنى المشيئة وهي التي يقع فيها مراد الله تبارك وتعالى ولا بد, ولا يلزم أن يكون مراده تبارك وتعالى محبوبا إليه. فمثلا كفر الكافر, لا يقع إلا بإرادة الله الكونية أو إن شئت فقل: كفر الكافر يقع بمشيئة الله وإن كان كفر الكافر غير محبوب إلي الله تبارك وتعالى. وهكذا نفاق المنافقين ومعاصي العصاة فكلها أرادها الله تبارك وتعالى كونا وإن كانت غير محبوبة إليه, وهذا واضح إن شاء الله تبارك وتعالى. ومثال الإرادة الكونية - التي تأتي بمعنى المشيئة - في القرآن قوله تعالى: وَلَوْ شَآءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة 253) لو: حرف امتناع لامتناع ومعناه في الآية: امتناع عدم الإقتتال لامتناع المشيئة (أي: لأن الله تعالى لم يشأ عدم الإقتتال, يعني شاء الإقتتال). قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " شرح الواسطية " (ص 138 - 139) في الكلام عن هذه الآية: وفي هذا رد واضح على القدرية الذين ينكرون تعلق فعل العبد بمشيئة الله, لأن الله قال: وَلَوْ شَآءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ, يعني: ولكنه شاء أن يقتتلوا فاقتتلوا, ثم قال: وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ, أي: يفعل الذي يريده, والإرادة هنا إرادة كونية. وقوله: يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ, الفعل باعتبار ما يفعله الله سبحانه وتعالى بنفسه فعل مباشر, وباعتبار ما يقدِّره على العباد فعل غير مباشر, لأنه من المعلوم أن الإنسان إذا صلى وصام وزكَّى وحج وجاهد, فالفاعل الإنسان بلا شك, ومعلوم أن فعله هذا بإرادة الله. ولا يصح أن يُنسب فعل العبد إلى الله على سبيل المباشرة, لأن المباشر للفعل الإنسان, ولكن يصح أن يُنسب إلى الله على سبيل التقدير والخلق. أما ما يفعله الله بنفسه, كاستوائه على عرشه,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير