وقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد}. قد قيل إنهما صفة للشخص مطلقا فالباغي كالباغي على إمام المسلمين، وأهل العدل منهم كما قال الله تعالى: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء}، والعادي كالصائل قاطع الطريق الذي يريد النفس والمال. وقد قيل: إنهما صفة لضرورته فالباغي: الذي يبغي المحرم مع قدرته على الحلال، والعادي: الذي يتجاوز قدر الحاجة كما قال: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم} وهذا قول أكثر السلف، وهو الصواب بلا ريب، وليس في الشرع ما يدل على أن العاصي بسفره لا يأكل الميتة، ولا يقصر ولا يفطر بل نصوص الكتاب والسنة عامة مطلقة، كما هو مذهب كثير من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو الصحيح.
ص467:
ومن امتنع من أكل الطيبات بلا سبب شرعي = فمبتدع مذموم، وما نقل عن الإمام أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم له = فكذب.
ص468:
وإذا لم يقصد المذكي الأكل بل قصد مجرد حل ميتة لم تبح الذبيحة.
ص468:
وما أصابه بسبب الموت كأكيلة السبع ونحوها فيه نزاع بين العلماء، هل يشترط أن لا يتيقن موتها بذلك السبب، أو أن يبقى معظم اليوم، أو أن يبقى فيها حياة بقدر حياة المذبوح، أو أزيد من حياته، أو يمكن أن يزيد؛ فيه خلاف، والأظهر: أنه لا يشترط شيء من ذلك، بل متى ذبح فخرج منه الدم الأحمر الذي يخرج من المذكى المذبوح في العادة ليس هو دم الميتة = فإنه يحل أكله وإن لم يتحرك في أظهر قولي العلماء.
ص469:
والقول بأن أهل الكتاب المذكورين في القرآن هم من كان أبوه وأجداده في ذلك الدين قبل النسخ والتبديل = قول ضعيف، بل المقطوع به بأن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب = فهو منهم سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد ـ وإن كان بين أصحابه خلاف معروف ـ وهو الثابت بين الصحابة بلا نزاع بينهم. وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم.
ص470:
ويحرم ما ذبحه الكتابي لعيده، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمه وهو رواية عن أحمد.
ص470:
والذبيح إسماعيل وهو رواية عن أحمد واختيار ابن حامد وابن أبي موسى، وذلك أمر قطعي.
ص470:
والصيد لحاجة = جائز، وأما الصيد الذي ليس فيه إلا اللهو واللعب = فمكروه، وإن كان فيه ظلم للناس بالعدوان على زرعهم وأموالهم = فحرام.
ص473:
ويحرم الحلف بغير الله تعالى، وهو ظاهر المذهب، وعن ابن مسعود وغيره: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا.
قال أبو العباس: لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.
ص473:
واختلف كلام أبي العباس في الحلف بالطلاق فاختار في موضع: التحريم وتعزيره، وهو قول مالك ووجه لنا.
واختار في موضع: آخر أنه لا يكره، وأنه قول غير واحد من أصحابنا؛ لأنه لم يحلف بمخلوق ولم يلتزم لغير الله شيئا، وإنما التزم لله كما يلتزم بالنذر، والالتزام لله أبلغ من الالتزام به بدليل النذر له واليمين به، ولهذا لم تنكر الصحابة على من حلف بذلك كما أنكروا على من حلف بالكعبة.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[28 - 01 - 06, 08:00 م]ـ
ص474:
والعهود والعقود متقاربة المعنى أو متفقة، فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام = فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال: لا أكلم زيدا = فيمين وعهد لا نذر، فالأيمان تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء بها، وهي عقد وعهد ومعاهدة لله؛ لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه، وإن تضمنت معنى العقود التي بين الناس، وهو: أن يلتزم كل من المتعاقدين للآخر ما اتفقا عليه = فمعاقدة ومعاهدة يلزم الوفاء بها إن كان العقد لازما، وإن لم يكن لازما خُيِّر، وهذه أيمان بنص القرآن ولم يعرض لها ما يحل عقدتها إجماعا.
ص474:
ومن كرر أيمانا قبل التكفير فروايتان ثالثها وهو الصحيح إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارات.
ص475:
النذر: توقف أبو العباس في تحريمه، وحرمه طائفة من أهل الحديث.
وأما ما وجب بالشرع إذا نذره العبد أو عاهد عليه الله أو بايع عليه الرسول أو الإمام أو تحالف عليه جماعة = فإن هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوبا ثانيا غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول؛ فيكون واجبا من وجهين، ويكون تركه موجبا لترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر، هذا هو التحقيق وهو رواية عن أحمد وقاله طائفة من العلماء.
ص478:
ولو نذر الطواف على أربع طاف طوافين، وهو المنصوص عن أحمد، ونقل عن ابن عباس.
ص480:
قد أوجب النبي تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر فهو تنبيه على أنواع الاجتماع.
ص480:
وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح.
ص480:
ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعا.
ص481:
ولا يجوز الاستفتاء إلا ممن يفتي بعلم وعدل.
ص481:
وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان.
ص481:
ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولي لعدمه أنفع الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد، وإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع = قدم فيما قد يظهر حكمه ويخاف الهوى فيه الأورع، وفيما ندر حكمه ويخاف فيه الاشتباه الأعلم.
ص481:
وأكثر من يميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام = ترجح عنده أحدهما لكن قد لا يثق بنظره بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه، فالواجب على مثل هذا، موافقته للقول الذي ترجح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد، كالمجتهد في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجح عنده أحدهما قلده والدليل الخاص الذي يرجح به قول على قول أولى بالاتباع من دليل عام على أن أحدهما أعلم وأدين.
وعلم أكثر الناس بترجيح قول على قول أيسر من علم أحدهم بأن أحدهما أعلم وأدين؛ لأن الحق واحد ولا بد.
¥