تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يوجبه قول من حكينا قوله في أول المسألة إذا لم يعلم الزوجان حلت، والله أعلم. ووجه ما ذهب إليه مالك وأحمد ما استدل به أبو عبد الله أحمد رحمة الله عليه، من أن النبي صلى الله عليه وسلم {لعن المحلل والمحلل له}، فلو كان التحليل يحصل بنية الزوج تارة وبنية الزوجة أخرى للعنها النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، وكان ذلك أبلغ من لعنة أكل الربا، وموكله، فلما لم يذكرها في اللعنة علم أن التحليل الذي يكون بالنية إنما يلعن فيه الزوج فقط، ولا يجوز أن يقال لفظ المحلل يعم الرجل والمرأة، فإنها حللت نفسها بهذا النكاح؛ لأنه قد قال {ألا أنبئكم بالتيس المستعار، وقال هو المحلل}، وهذه صفة الرجل خاصة، ثم لو عمهما اللفظ فإنما ذاك على سبيل التغليب لاجتماع المذكر والمؤنث، فلا بد أن يكون تحليل الرجل موجودا حتى تدخل معه المرأة بطريق التبع، أما إذا نوت هي وهو لم ينو شيئا فليس هو بمحلل أصلا، فلا يجوز أن تدخل المرأة وحدها في لفظ المذكر، إلا أن يقال قد اجتمعا في إرادة المتكلم لهما، وإن لم يجتمعا في عين هذا النكاح، فإن من قصد الإخبار عن المذكر والمؤنث مجتمعين ومفترقين أتى بلفظ المذكر أيضا، فهذا يمنع الاستدلال من هذا الوجه، وأيضا فالمحلل هو الذي يفعل ما تصير به المرأة حلالا في الظاهر، وهي ليست حلالا في الحقيقة، وهذا صفة من يمكنه رفع العقد والمرأة وحدها ليست كذلك، واستدل الإمام أبو عبد الله أحمد رضي الله عنه أيضا بحديث تميمة بنت وهب امرأة رفاعة القرظي، ففي الصحيحين من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قال {جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي، وفي رواية ثلاث تطليقات، وإني تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، وفي رواية وما معه إلا مثل هذه الهدبة أشارت لهدبة أخذتها من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فقال: يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم}. فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنها مع إرادتها أن ترجع إلى الزوج الأول لا يحل له حتى يجامعها، فعلم أنه إذا جامعها حلت للأول، ولو كانت إرادتها تحليلا مفسدا للنكاح أو محرما للعود إلى الأول لم تحل له، سواء جامعها أو لم يجامعها، فإن قيل لعلها إنما أرادت الرجوع إلى الأول بعد حل عقدة النكاح، وذلك لا يؤثر في فساد العقد كما لو تزوجها مرتغبا ثم بدا له أن يطلقها لتراجع الأول، كما أراد سعيد بن الربيع أن يطلق امرأته ليتزوجها عبد الرحمن بن عوف يقوي ذلك أنها ذكرت إنما معه مثل هدبة الثوب، تريد به أنه لا يتمكن من جماعها فأحبت طلاقه لذلك، ثم أرادت الرجوع إلى الأول، ثم الأصل عدم الإرادة وقت العقد فلا بد له من دليل.

قلنا:

الجواب أوجه:

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جوز لها مراجعة الأول إذا جامعها الثاني بعد أن يتبين له رغبتها في الأول، ولم يفعل بين أن تكون هذه الإرادة حدثت بعد العقد أو كانت موجودة قبله، دل على أن الحل يعم الصورتين، فإن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال بمنزلة العموم في المقال، حتى لو كان احتمال تجدد الإرادة هو الراجح لكان الإطلاق يعم القسمين إذا كان الاحتمال الآخر ظاهرا، والأمر هنا كذلك، فإن المرأة التي ألفت زوجا ثم طلقها قد يبقى في نفسها منه في كثير من الأحوال، والنساء في الغالب يبغضن الطلاق ويحببن العود إلى الأول أكثر مما يحببن معاشرة غيره.

الجواب الثاني:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير