تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تزوجها بعد العدة لم يكن حينئذ قد حرم عليه العقد، ولا الخطبة، وكذلك في رؤيته متجردا قبل النكاح، أو المشي إلى الجمعة على حمار مغصوب فإن تلك المحرمات انتقضت أسبابها، وهذا سبب التحريم تعلق حق الغير بهذه المرأة، وهو موجود، فإن عودها إليه ممكن.

ثم لو سلمنا أن المحرم متقدم فلم قيل إن الفرق مؤثر، فإن الأدلة الدالة على كون العقود المحرمة فاسدة لا تفرق، والفعل المحرم يتضمن مفسدة، فتصحيحه يقتضي إيقاع تلك المفسدة، وهذا غير جائز، ومعصية الله فساد لا صلاح فيها، فإن الله سبحانه لا ينهى عن الصلاح، وهذا العقد هنا مستلزم لوجود المفسدة، وهو إضرار الأول، بخلاف صلاة الجمعة فإنها في نفسها غير مستلزمة لركوب ولا مشي، ونقول أيضا لا فرق بين ما حرم لحق الله تعالى أو لحق عباده، إذ الأدلة لا تفرق ونقول التفريق بين ما حرم الله لنفسه أو لغيره غير مسلم، وبتقدير تسليمه فالنهي هنا لمعنى في المعقود عليه، وهو تعلق حق الأول بالعين المعقود عليها، فإن الشارع جعل تقدم خطبته وبيعه حقا له مانعا من مزاحمة الثاني له؛ كمن سبق إلى مباح فجاء آخر يزاحمه؛ وصار هذا لحق المرتهن وغيره؛ وإذا كان سبب النهي تعلق حق للأول بهذه العين فإذا أزيل على الوجه المحرم لم يؤثر هذا في الحل المزيل، فإنه كالقاتل لموروثه فإنه لما أزال تعلق حق الموروث بالمال بفعله المحرم، لم يؤثر هذا الزوال في الحل له ولهذا لا يبارك لأحد في شيء قطع حق غيره عنه بفعل محرم، ثم اقتطعه لنفسه. وقد تقدم في أقسام الحيل تنبيه على هذا النوع، ومن فرق بين أن يخطب على خطبة أخيه ويستام على سومه وبين أن يبيع على بيعه أو يبتاع على بيعه، فإن الخاطب والمستام لم يثبت لهما حق، وإنما ثبت لهما رغبة ووعد بخلاف الذي قد باع أو ابتاع فإن حقه قد ثبت على السلعة أو الثمن، فإذا تسبب الثاني في فسخ هذا العقد كان قد زال حقه الذي انعقد، وهذا يؤثر ما لا يؤثر الأول فإن تصرف الإنسان متى استلزم إبطال حق غيره بطل كرجوع الأب فيما وهبه لولده وتعلق به حق مرتهن أو مشتر أو نحو ذلك، وكذلك رجوع البائع في المبيع إذا أفلس المشتري وتعلق به حق ذي جناية أو مرتهن أو نحو ذلك، بخلاف تعلق رغبة الغرماء بالسلعة فإنها لا تمنع رجوع البائع وفي رجوع الواهب خلاف معروف، ثم اعلم أن بيع الإنسان على بيع أخيه أن يقول لمن اشترى من رجل شيئا أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون هذا الثمن، وأبيعك خيرا منها بمثل هذا الثمن، فيفسخ المشتري بيع الأول ويبتاع منه، وكذلك ابتياعه على ابتياع أخيه أن يقول لمن باع رجلا شيئا أنا اشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، وقد اشترط طائفة من متأخري أصحابنا أن يقول ذلك في مدة الخيار خيار المجلس أو الشرط ليتمكن الآخر من الفسخ، وإلا فبعد لزوم العقد لا يؤثر هذا القول شيئا، وكذلك ذكره القاضي في موضع من الجامع، وفي كلام الشافعي رضي الله عنه ما يدل عليه. وأما قدماء أصحابنا فأطلقوا البيع على بيع أخيه ولم يقيدوه بهذا الخيار، وكذلك ذكر القاضي في موضع آخر، وأبو الخطاب فسخ البيع الثاني من غير تقييد بهذا الخيار، وكلام أحمد أيضا مطلق لم يقيده بهذه الصورة، وهذا أجود لوجهين:

أحدهما:

أن المشتري قد يمكنه الفسخ بأسباب غير خيار المجلس والشرط مثل خيار العيب والتدليس والخلف في الصفة والغبن وغير ذلك، ثم لا يريد الفسخ فإذا جاء البائع على بيع أخيه ورغبته في أن يفسخ ويعقد معه، كان هذا بمنزلة أن يأتيه في زمن خيار المجلس.

الثاني:

أن العقد الأول وإن لم يمكن أحدهما فسخه فإنه قد يجيء إليه فيقول له قايل هذا البيع وأنا أبيعك؛ فيحمله على استقالة الأول، والإلحاح عليه في المقايلة فيجيبه عن غير طيب نفس كما هو الواقع كثيرا إن لم يخدعه خديعة توجب فسخ البيع، وهذا قد يكون أشد تحريما لما فيه من مسألة الغني ما لا حاجة له به، ومخالفة قوله {دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض} وغير ذلك، وقد يقال المستقال غير راض فلا يبارك للمستقيل، كالذين كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أشياء فيعطيهم إياها، فيخرج بها أحدهم يتأبطها نارا وقد بين ذلك في غير حديث، فيكون المعطي مثابا والسائل معاقبا وهذا بيع حقيقة على بيع أخيه، وهو واقع فلا معنى لإخراجه من الحديث، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من جملة ما نهى عنه في هذا الحديث {أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير