تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لنفقات جهاد التتار أصدر الفتوى بجواز أخذ مال زائد عن الزكاة من الأغنياء والموسرين، وهي حالة مؤقتة ليست دائمة مرتبطة بظرفها الذي ألجأ إليها

وثانيهما: أن لا يكون هناك طريق آخر أو مخرج يمكن تحقيق المراد به غير هذا التقييد أو الإلزام، فإن كان ثم طريق أو مخرج غيره لم يجز اللجوء إليه، وذلك لفقدان المسوغ وهو الضرورة الملجئة إليه أو الحاجة العامة، ولأن ذلك يدخله في باب التشريع، ويكون الظرف والحالة المدعاة حينئذ ستارا لإحداث التشريع

الحالة الثانية: المباح الثابت بالإباحة العامة (البراءة الأصلية أو الاستصحاب): وفي هذا النوع ينبغي أن يكون التقييد أو الإلزام محققا لمصلحة حقيقية عامة ليست مصلحة موهومة أو مصلحة خاصة لبعض الناس وضارة بآخرين، فإن أي تصرف في الغالب لا ينفك عن أن يكون فيه بعض المصلحة، وهذه الحالة فيها تطبيق مباشر للقاعدة التي تقدم ذكرها وهي: "أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، فمراعاته في تصرفه للمصلحة هي التي تسوغ تصرفه وتلزم بطاعته والتقيد به وعدم تجاوزه، وكمثال على هذا التصرف لو قدر أن هناك أنواعا من الحيوانات أو الأسماك على وشك الانقراض نتيجة لكثرة الاستهلاك أو الذبح فإذا قيد الحاكم الذبح بكونه في الذكور لا في الإناث، وقيد صيد الأسماك بالأحجام الكبيرة دون الأحجام الصغيرة يتغيا بذلك المصلحة العامة التي تعود على مجموع الأمة من ذلك ولفترة محددة يحدث فيها التوازن بين ما ينتج منها وما يستهلك، كان هذا من التقييد الذي يطهر منه أنه تقييد للمصلحة بعكس ما لو كان التقييد لترويج سلعة بعض أصدقائه أو أقاربه، بحيث لا يكون لها منافس في الأسواق لم يكن ذلك من قبيل المصلحة العامة، فالقيد الذي يضعه ولي الأمر غير محقق للمصلحة فهو قيد وضع بخلاف القاعدة التي أجازت له ذلك، فإذا خالفها فقد فقد مسوغ الجواز.

والأمثلة على هذا النوع كثيرة، فالإنسان مباح له أن يتحرك بالكيفية التي تناسبه، وينتقل من مكان إلى مكان بالوسيلة التي تروق له، ولكن بعد التطور السريع في وسائل المواصلات وما يمكن أن يترتب عليها من حوادث ضارة بالرعية فإنه يحق لولي الأمر أن يقيد ذلك ببعض القيود التي يترتب على الالتزام بها تحقيق المصلحة، كتحديد السرعة القصوى التي تختلف باختلاف نوع الطريق، وكتخصيص طرق معينة للمشاة فقط ونحو ذلك.

ولعل من ذلك ما ورد من النهي عن كتابة الحديث، فالكتابة مباحة في أصلها فيباح للمسلم كتابة ما يحتاج إليه من العلوم أو الحقوق، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه أراد في بداية الإسلام أن تتوجه همة المسلمين إلى كتابة القرآن وحده وحفظه، وألا يشغل المسلمون أنفسهم بكتابة وتدوين شيء غير القرآن فقال: "لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه" [8] ففي هذا تقييد للمباح أو منع منه لكن لما تحقق الغرض الذي من أجله نهى صلى الله عليه وسلم عن الكتابة لم يبق للنهي مسوغ، فكتب من الصحابة من كلامه صلى الله عليه وسلم ما كتب وذلك بعلمه صلى الله عليه وسلم وأمره

والمسلم يباح له السكن في أي بقعة من دار الإسلام يقيم فيها متى شاء ويرحل عنها إذا شاء، ولا يجوز لأحد أن يقيد إقامته فيجعلها في مكان دون آخر، أو أن يحظر عليه دخول بعض المدن ونحو ذلك، لكن قد توجد بعض الأحوال التي تبيح هذا التقييد إذا كان يترتب عليه مصلحة عامة، ومن ذلك ما فعله عمر رضي الله تعالى عنه حينما منع كبار الصحابة من مغادرة المدينة واستبقاهم إلى جانبه ليكونوا له بمثابة المشيرين الذين يرجع إليهم إذا ادلهمت الأمور، وذلك أنه لم يكن من السهل جمعهم من البلاد المتباعدة في وقت قصير لو تفرقوا عن المدينة، ولكن في ظل وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة يمكن جمع العشرات بل والمئات في ساعات معدودة، فلا يحتاج إلى هذا التدبير العمري، ومع ذلك قد تجد هناك أمور وأحوال تجعل ولي الأمر يقيد الحل والترحال لبعض الأشخاص إذا كان في ذلك مصلحة عامة للمسلمين، كما فعل عمر أيضا مع نصر بن حجاج حينما أخرجه من المدينة لما رأى من افتتان بعض النساء بجماله، وليس من ذلك ما يفعله بعض الحكام من تحديد إقامة بعض الناس ومنعهم من الحل والترحال إذا خالفوا رأيه في بعض الأمور، فليس في ذلك مصلحة للمسلمين، ولهذا جاء في كلام أهل العلم: "إذا كان فعل الإمام مبنيا على المصلحة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير