تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيما يتعلق بالأمور العامة لم ينفذ أمره شرعا إلا إذا وافقه، فإن خالفه لم ينفذ" [9]، وذلك حتى لا يتحول ولي الأمر إلى رجل يستبد برأيه ويمضيه على الرعية بغير مصلحة حقيقية في ذلك، وفي تحفة المحتاج للشربيني: "الذي يظهر أن ما أمر به (ولي الأمر) مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط (دفعا للأذى) بخلاف ما فيه ذلك (مصلحة عامة) يجب باطنا أيضا"، وهذا يعني أن الملزم فقط من تصرفاته ما كان فيه مصلحة عامة وما كان بخلاف ذلك فإن للمسلم أن يسعى في عدم التقيد أو الالتزام به يحتال المسلم لعدم الالتزام بما ليس فيه مصلحة عامة من هذه الامور

ومن ذلك وضع شروط لممارسة مهنة معينة، إذا كانت هذه الشروط يحتاج إليها في تلك المهنة، والالتزام بها يحقق مصلحة عامة ولم تكن شروطا تعسفية، ومن الأمثلة على ذلك تنظيم بناء المصانع وتحديد الأماكن التي يجوز فيها إنشاؤها فالمسلم مباح له أن يبني مصنعه أورشته للصيانة في أي مكان يراه أنسب له ما دام ذلك يحدث في ملكه من غير تعد على الآخرين، لكن إذا كانت هذه المصانع أو الورش من النوع التي يخرج منها أدخنة وأبخرة قد تضر بالناس والبيئة، أو كانت مما يصدر ضجيجا يتأذى بسماعه الناس، وكل ما كان من هذا القبيل ونحوه فإن لولي الأمر أن يقيد هذه الإباحة فيحدد الأماكن التي يجوز إنشاء هذه المصانع أو الورش فيها بحيث لا يترتب عليها ضرر، وأمثلة المباح من هذا النوع قد لا تنحصر.

وإذا كان التقييد للمصلحة فإنه لا يعارض به ما أثبته الشرع، وكمثال على ذلك فإن صورة الزاوج الشرعية هي الإيجاب من ولي الزوجة والقبول من الزوج وأن يشهد على ذلك شاهدان عدل، فإذا فشا بين الناس التناكر والتجاحد في الإثبات فلو قيد ولي الأمر عقد النكاح بأن يوثق هذا العقد أمام جهة ما يحددها كان له ذلك، لما في ذلك من المصلحة العامة، ودرا المفسدة المتوقعة، لكن لو قدر أن أحدا من الناس أتي بالأمور الشرعية المذكورة حيث حصول الإيجاب من ولي الزوجة والقبول من الزوج وأشهدا على ذلك شهيدين عدل ولم يوثقا هذا الزواج أمام الجهة المسئولة فإن الزواج صحيح يترتب عليه كل ما يترتب على الجواز الصحيح.

وغير خاف أن هذه التصرفات بالتقييد أو الإلزام ليس لها صفة الديمومة بل هي مرتبطة بمن أصدرها، فإذا فقد ولي الأمر منصبه بموت أو نحوه، فإنه من الجائز لمن يخلفه أن يغير فيها لما يرى أنه الأوفق والأفضل، وجائز له أن يبقيها على ما هي عليها فإذا أبقاها لزمت كما لزمت في الأول

وفي نهاية هذا المقال نحاول أن نوجز ما تقدم بسطه:

-هناك مقاصد عظيمة اتفق أهل العلم على أنها مقاصد الدين وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، فينبغي أن يكون كل تصرف في المباح من ولي الأمر عاملا على تحقيق مقصد من هذه المقاصد، أو ملتزما بها غير خارج عليها فإذا عارضت تصرفاته أحد هذه المقاصد كانت تصرفات باطلة لمخالفتها لمقاصد الدين

-هذه التقييدات أو الإلزامات ينبغي أن تكون صادرة بعد دراسات عميقة من أهل العلم وأهل الخبرة، حتى تكون محققة الغرض الذي من أجله وضعت وحتى لا تترتب عليها نتائج عكسية.

-ما جاءت إباحته بالنص لا يجوز تقييده أو منعه أو الإلزام به على صفة العموم والديمومة؛ لأن في ذلك مصادمة للشرع ومنعا لما أحل الله، أو إيجابا لما أباحه الشرع ولم يلزم به، ولو كانت هناك ضرورات ملجئة أو حاجات عامة لنوع من المنع أو التقييد أو الإلزام، ولا يوجد حل لها غير ذلك التصرف، فإن الأخذ به لا يعني جواز تقييد المباح لولي الأمر أو الإلزام به، وإنما هو من قبيل الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، فهو منع أو تقييد أو إلزام مؤقت متقيد بالضرورة أو الحاجة زمانا ومكانا وحالة، يزول بزوالها ليس له صفة الدوام

-ما كانت إباحته من قبيل الإباحة العامة التي لا تستند إلى نص خاص فإن لولي الأمر أن يقيده إذا كان في ذلك مصلحة عامة؛ كما أن له الإلزام به، لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، فإذا لم تكن هناك مصلحة عامة لم يجز التقييد ولا الإلزام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير