تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأعرض هؤلاء جميعاً عن تطبيق تلك القاعدة العظيمة المدعمة بعشرات الأدلة، مع إعراضهم عن الأدلة العامة كما لا يخفى، بل خالفوا مثالاً آخر لم يذكره ابن القيِّم، وفيه رد عليهم في الصحيح، هؤلاء في استباحتهم تقبيل الأجنبيات ومصافحتهن، وأولئك في الاستماع لأغانيهن، كالغزالي مع أم كلثوم! واعتبر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نوعاً من الزنا، فقال:

" كُتبَ على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة:

فالعينان زناهما النَّظر.

والأذنان زناهما الاستماع.

واللسان زناه الكلام.

واليدان زناهما البطش، (وفي رواية اللمس).

والرِّجل زناها الخُطا.

[والفم زناه القُبَل].

والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفَرْجُ ويكذِّبه ".

رواه مسلم وغيره.

قلت: فتبين مما تقدم بطلان تقييد الشيخ (أبو زهرة) ومن قلَّده الموسيقى والغناء المحرم بما يثير الغريزة الجنسية، وأن الصواب تحريم ذلك مطلقاً، لإطلاق الأحاديث الآتية، ولقاعدة سد الذريعة.

ونحوه في البطلان ما يأتي.

3 قوله: " وأنّ العرب كانوا يرجزون ويغنون ويضربون بالدف "!

فأقول: هذا باطل من وجوه يأتي بيانها، ومن الواضح أنه يريد ب (العرب) السلف، وحينئذ فتعبيره عنهم بهذا اللفظ تعبير قومي عصري جاهلي، يستغرب جداً صدوره من شيخ أزهري! فأقول:

الوجه الأول:

أنه كلام مرتجل لا سنام له ولا خطام، لم يقله عالم من قبل، فليضرب به عرض الحائط.

الثاني: أنه إذا كان يعني به خاصتهم وعلماءهم كما هو مفروض فيه فهو باطل، فإن المنقول عنهم خلاف ذلك.

والشيخ غفر الله له، كأنه حين يكتب لا يكون عنده خلفية علمية، أو على الأقل لا يراجع كتاباً من الكتب الفقهية، أو بحثاً خاصاً فيها لأحد محققي الأمة، كابن تيمية، وابن قيم الجوزية، شأنه في ذلك شأن تلميذه الغزالي وأمثاله، وإلا فأين هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه: " الغناء ينبت النفاق في القلب "، وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح موقوف كما قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " (1/ 248) ولذلك خرجته في " الضعيفة " (2430)، ومن قول ابن عباس رضي الله عنه: " الدف حرام، والمعازف حرام. . " وسيأتي (ص 92) ومما ذكره أبو بكر الخلال في كتاب " الأمر بالمعروف " (ص 27): " ويروى عن الحسن قال: ليس الدفوف من أمر المسلمين في شيء، وأصحاب عبد الله كانوا يشققونها "، إلى غير ذلك مما هو مذكور في موضعه. وانظر (ص 102 103).

الثالث: أن الذين كانوا يضربون بالدف، إنما هم النساء لا الرجال، وبمناسبة الزفاف، وفي ذلك أحاديث كنت ذكرتها في كتابي " آداب الزفاف " (ص 179 183)، أو بمناسبة العيد كما في حديث عائشة الآتي في آخر هذه الرسالة، ولهذا قال الحَلِيمي، كما في " شعب الإيمان " (4/ 283):

" وضرب الدف لا يحل إلا للنساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ".

4 قوله: " وورد في بعض الآثار. . " إلخ: تعبير غير دقيق، فإنه يعني ب " الآثار " الأحاديث التي أشرت إليها آنفاً، وأسوأ منه قوله عقبه: " وقيل: (فرق ما بين الحلال والحرام الدف) "؛ فإنَّ " قيل " من صيغ التمريض عند العلماء، وهو إنما يقال في كلام البشر، وهذا حديث نبوي معروف، فإن كان يريد بقوله المذكور تضعيفه، فقد أخطأ مرتين؛ رواية واصطلاحاً؛ أما روايةً فالحديث حسن كما قال الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي، وهو مخرج في المصدر المتقدم وفي " الإرواء " (7/ 50 51)، وأما اصطلاحاً، فإنه إنما يقال في الحديث الضعيف: " روي "، وليس " قيل ".

وثمة خطأ آخر، وهو قوله في الحديث: " فرق " وإنما هو عندهم بلفظ: " فصل ".

فتأمل كم في كلام هذا الشيخ الأزهري من جهل بالحديث ومصطلحه، فلا عجب من تلميذه الغزالي أن يصدر منه ما هو أعجب وأغرب كما سيأتي، الأمر الذي يدل على أن الأزهر لم يكن له عناية بتدريس الحديث دراية ورواية، وأكبر دليل على ذلك أننا لا نرى في هذا العصر محدثاً معروفاً، مشهوراً بآثاره ومؤلفاته تخرَّج من (الأزهر الشريف)، ويكفينا تدليلاً على ما أقول هذا الكلام الهزيل من شيخهم هذا الكبير! والله المستعان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير