تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لغير حاجة فيجب الاقتصار على ما يكفي الناس لا أن نوجب عليهم صلاة الظهر بعدها لأنها عبادة لم يأمر الله ولا رسوله بها؛ وإن اعتبرتم أنها متعددة لحاجة بناء على القول المعتمد فلا لزوم لصلاة الظهر بعدها لأن الإمام حينما دخل بغداد صلى فيها الجمعة مع تعددها ولم يصل بعدها الظهر. واعلم أن منشأ هذه الأقاويل ما تعارض من قول الإمام الشافعي وفعله، فظاهر كلامه أنه لا يجوز التعدد، وأما دخوله إلى بغداد ووجوده أهلها يصلونها بمحلين أو ثلاثة، وعدم إنكاره عليهم وصلاته معهم سنتين - فهو دليل على إقراره التعدد إن كان لحاجة. وأما من قال: إن سكوته من باب أن المجتهد لا يرد على مجتهد، فمنقوض لأنه إن كان لا يجيز التعدد لحاجة بدليل يُعدُّ سكوته على ذلك من باب رؤية المنكر وعدم إزالته، ونُجِلُّ الإمام عن ذلك. وإن كان يجيز التعدد لحاجة فقد قضي الأمر , ومن قال: يحتمل أن الشافعي صلى الظهر لا الجمعة , أو أنه كان يعيد الظهر بعد الجمعة؛ نقول له: إن الدين لا يثبت بالاحتمال , وإن المنقول خلاف ما تحتمل وغير ما تدعي، ولهذا أجاب عنه جمهور أصحابه بأن تعدد الجمعة في بغداد إذ ذاك لمشقة الاجتماع لكثرة أهلها , وتبعهم الشيخان كالروياني، قال في الحلية: (ولا نص فيه للشافعي , ولا يحتمل مذهبه غيره) ا هـ أي لم ينص الشافعي على مسألة التعدد في حالة الاضطرار , ومذهبه يقتضي جوازه لأن المشقة تجلب التيسير، وأما قول المزني في المختصر: (ولا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد) فليس فيه ما يدل على عدم جواز التعدد لحاجة , فينبغي حمله على حالة السعة والاختيار دون المشقة والاضطرار، وهي فيما إذا وجد مسجد يجمعهم جميعًا لأن مسألة الإمام في بغداد دليل على ذلك وصريحة في جواز التعدد عند الافتقار، فسقط قول من قال: لا يجوز تعددها ولو في حالة الاضطرار. وشُبهة من قال بعدم جواز تعدد الجمعة هو أنها لم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا كذلك أي في مكان واحد , فلو جاز تعددها لحصل ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام. ونقول في الجواب من وجوه: الأول: أنه لم يكن من حاجة إلى التعدد لأن مسجد الرسول كان يكفيهم جميعًا , فلا معنى حينئذ للكثرة لما هو معلوم من أن المسلمين لم يكونوا يبلغون من العدد ما بلغوه بعد زمان النبي والخلفاء الراشدين , لكن لما اتسعت دائرة الإسلام وكثرت فتوحاته ودخل الناس فيه أفواجًا أفواجًا في مشارق الأرض ومغاربها - تعسر عليهم الاجتماع لإقامة الجمعة في مسجد واحد فدعتهم الحاجة إلى تعددها عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (يسروا ولا تعسروا) وقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (الحج: 78) ولأنه إن كان القصد من عدم التعدد شعار الجمعة فالشعار حاصل أيضًا مع التعدد لحاجة. الثاني: الحرص على الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم , وسماع خطبه ومواعظه وأوامره ونواهيه , وأي مسلم يرغب عن الصلاة مع النبي إلى غيره. الثالث: الحرص على اجتماع الكلمة وعدم التفرق بقدر الإمكان؛ لأن هذا من حِكم صلاة الجمعة لا يعدل عنه إلا لضرورة كضيق المصلى الواحد مثلاً. وقد تفلسف بعضهم , فقال: يجب إقامة الجمعة في مصلى واحد ولو غير مسجد , وإن حصل بذلك مشقة من حر أو برد أو مطر إلخ. وقد قاس تلك المشقة على مسألة الجهاد والحج وإن لم يكن بين المقيس والمقيس عليه جامع، قال بعض الفقهاء عندنا: وذلك كرمل بيروت ونحوه، بخ بخ. والجواب عن ذلك أن هذا القول عارٍ عن الدليل , ومخالف لعمل الإمام الشافعي لأنه لم يأمر أهل بغداد بالاجتماع في غير المساجد بل أقرهم على التعدد للحاجة إليه. إني لأعجب من تجويزهم أو إيجابهم الاجتماع للجمعة في غير المسجد إن لم يمكن فيه لأنهم منعوا التعدد بحجة أنها لم تعدد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم , فكيف يقولون بصحتها في غير المسجد مع أنها لم تفعل في زمن الرسول إلا في المسجد [1]. فلعمري إن هذا ترجيح بلا مرجح , فتجويزكم للمسألة الأولى يقتضي تجويز الثانية وهو التعدد للضرورة , وهو ما أقر عليه الإمام الشافعي ولم ينكره، فعدولكم بلا دليل عن عمل الإمام ضرب من التعنت والأوهام. على أنه لم ينقل عن المعصوم ولا عن الصحابة ما يدل على عدم جواز التعدد , وأما من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير