تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم .. " فالحديث لم يدل على الأفضلية وإنما دل على زيادة الأجر، وزيادة أجر العامل لا تدل على الأفضلية. قال ابن حجر:" إن حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة، لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد. [24] " قال في فتح الودود: "هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا مطلقا وقد جاء "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقا [25] "

وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطبي لكن كلام بن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية نعم والذي ذهب إليه الجمهور.

وحديث أبي أمامة رضي الله عنه:" وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات" يقال فيه كما قيل في الحديث السابق، كما أن الحديث غاية ما فيه الدعاء لمن لم يره صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ممن رآه لا يدخل على فضل من لم يراه على من راه؛ وإنما يمكن أن يقال أن من لم يراه هو في حاجة لدعاء أكثر لتثبيته على الطريق المستقيم.

وأما الاستدلال بحديث "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم أخره " فليس فيه دلالة على المقصود، فالحديث يدل على أن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا ينقطع فالحديث لم يذكر ولو بطريق الإيماء أن من أفراد الأمة من هو أفضل من أفراد الصحابة رضوان الله عليهم.

قال النووي: "إن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام، ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك، أي الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وآله وسلم خير القرون قرني. [26] "

ونقل المباركفوري عن التوربشتي بأن هذا الحديث "لا يحمل على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة، ثم الذين يلونهم، وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة.

قال القاضي: "نفي تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد به نفي التفاوت. كما قال تعالى (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18) أي بما ليس فيهن، كأنه قال: لو كان، لعلم، لأنه أمر لا يخفى، ولكن لا يعلم، لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها. كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشوء والنماء، لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات وتلقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب، لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور وسعيهم مشكور وأجرهم موفور.

قال الطيبي: "وتمثيل الأمة بالمطر، إنما يكون بالهدى والعلم، كما أن تمثيله صلى الله عليه وآله وسلم الغيث بالهدى والعلم. فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم، المكملين لغيرهم، فيستدعي هذا التفسير: أن يراد بالخير، النفع. فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية. ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد: وصف الأمة قاطبة، سابقها ولا حقها، وأولها وأخرها بالخير، وأنها ملتحمة بعضها مع بعض، مرصوصة بالبنيان، مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفاها.

وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. تريد المكملة. ويلح إلى هذا المعنى قول الشاعر:

إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير