قال الشيخ صديق بن حسن خان – رحمه الله: وهذا يدل على أنها لا تجزئ بعد الصلاة، لأنها حينئذ صدقة كسائر الصدقات التي يتصدق بها الإنسان، وليست بزكاة الفطر. اهـ بنصه من "الروضة الندية" 1/ 217.
وقال المجد الفيروزآبادي في "سفر السعادة": وظاهر هذه الأحاديث أنها بعد الصلاة لا تجزئ. انتهى نقلا عن "الروضة الندية" 1/ 217.
قال الشيخ علاء الدين المرداوي الحنبلي: وقيل: يحرم التأخير إلى بعد الصلاة , وذكر المجد – يعني الشيخ عبد السلام بن تيمية -: أن الإمام أحمد أومأ إليه , ويكون قضاء , وجزم به ابن الجوزي في كتاب أسباب الهداية , والمذهب , ومسبوك الذهب , وهذا القول من المفردات. اهـ من كتاب "الإنصاف" 3/ 178.
قلت (عيد): هذا القول وإن كان من مفردات الحنابلة إلا أنه موافق تماما للدليل ولا شيء يدفعه، ومذهب غيرهم ضعيف مخالف لظاهر الأحاديث، وقد تقدم ذكر من اختار هذا الحكم من غير الحنابلة. فالصحيح أنه لا يجوز تأخير إخراج زكاة الفطر عن صلاة العيد اختيارا. ومن أخرها فهي دين عليه يجب أن يؤديه.
قال الوزير ابن هبيرة - رحمه الله: واتفقوا - أي الأئمة الأربعة - على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخير أدائها، وهي دين عليه حتى يؤديها. اهـ بنصه من "الإفصاح" 1/ 265.
س7 - من أي الأصناف نخرج زكاة الفطر؟ وكم مقدارها؟
الأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - الذي رواه الإمام مالك في "الموطأ" وعنه رواه الأئمة بعده:
مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ الْعَامِرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ:
كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الإمام الحافظ اللغوي ابن الأثير الجزري في معنى الأقط: وهو لَبَنٌ مُجَففٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجِر يُطْبَخُ به. انتهى من "النهاية في غريب الحديث".
وقال أبو بكر الرازي: وهو لبن مجفف يطبخ به. انتهى من "مختار الصحاح".
قلت (عيد): كانوا يجففونه في الشمس حتى يصبح أحجارا يمكن ادخارها واستعمالها بعد ذلك، وتساويه في وقتنا الطرق الحديثة لتجفيف اللبن.
وفي صحيح البخاري من طريق آخر عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه – قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ.
وبرواية البخاري هذه يتبين أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - فسر الطعام بهذه الأربعة الأصناف، وعليه تكون لفظة "أو" في رواية الإمام مالك: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ….إلخ للتقسيم وتفصيل أنواع ما أجمل من قبل وليست "أو" التي للتنويع والتخيير، أشار إلى ذلك العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في حاشيته على "الروض المربع" 1/ 319.
إذن كان الصحابة - رضي الله عنهم - يخرجون زكاة الفطر في العهد النبوي من هذه الأصناف الأربعة، لأنها كانت غالبَ قوت أهل المدينة، خاصة التمر والشعير لذا اقتصر على ذكرهما عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في حديثه المتفق عليه.
قلت (عيد): ولكن الراجح من مذاهب العلماء عدم التقيد بالأصناف المذكورة في الأحاديث بل يصح القياس عليها ما في معناها من كل قوت كالقمح ودقيقه وما صنع منه كالمكرونة والذرة ودقيقه والأرز والعدس والفول مما لم يثبت فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضابط الجامع في هذا القياس يحتاج إلى بسط لا تحتمله هذه العجالة.
وعبر عن هذا الراجح من مذاهب العلماء الإمام الشوكاني - رحمه الله - فقال عن زكاة الفطر معرفا لها: هي صاع من القوت المعتاد عن كل فرد. انتهى بنصه من "الدرر البهية في المسائل الفقهية" صـ20.
وقال الشيخ صالح البليهي –رحمه الله: الأصح – عندي – يجزئ غير الخمسة مع وجودها أو بعضها بشرط أن يكون قوتا لأهل المحلة التي يخرج المخرج زكاة فطره فيها كما هو اختيار شيخ الإسلام وابن قيم الجوزية وقول أكثر العلماء. اهـ بنصه من حاشية "السلسبيل لمعرفة الدليل" 1/ 254.
¥