تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دلّ الحديث على أنّ من عنده قوت يومه فهو غنيّ وجب عليه أن يخرج ممّا زاد على قوت يومه. واستدلّ الحنفيّة ومن وافقهم على اشتراط ملك النّصاب بقوله صلى الله عليه وسلم: {لا صدقة إلاّ عن ظهر غنًى}.

والظّهر ها هنا كناية عن القوّة، فكأنّ المال للغنيّ بمنزلة الظّهر، عليه اعتماده، وإليه استناده، والمراد أنّ التّصدّق إنّما تجب عليه الصّدقة إذا كانت له قوّة من غنًى، ولا يعتبر غنيًّا إلاّ إذا ملك نصابًا.

من تؤدّى عنه زكاة الفطر:

ذهب الحنفيّة إلى أنّ زكاة الفطر يجب أن يؤدّيها عن نفسه من يملك نصابًا، وعن كلّ من تلزمه نفقته، ويلي عليه ولايةً كاملةً. والمراد بالولاية أن ينفذ قوله على الغير شاء أو أبى، فابنه الصّغير، وابنته الصّغيرة، وابنه الكبير المجنون، كلّ أولئك له حقّ التّصرّف في ما لهم بما يعود عليهم بالنّفع شاءوا أو أبوا. وينبني على هذه القاعدة أنّ زكاة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم: {ابدأ بنفسك، ثمّ بمن تعول}.

ويخرجها عن أولاده الصّغار إذا كانوا فقراء، أمّا الأغنياء منهم، بأن أهدي إليهم مال، أو ورثوا مالًا، فيخرج الصّدقة من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأنّ زكاة الفطر ليست عبادةً محضةً، بل فيها معنى النّفقة، فتجب في مال الصّبيّ، كما وجبت النّفقة في ماله لأقاربه الفقراء، وقال محمّد: تجب في مال الأب لأنّها عبادة محضة، وهو ليس من أهلها ; لأنّه غير مكلّفٍ. أمّا أولاده الكبار، فإن كانوا أغنياء وجب عليهم إخراج الزّكاة عن أنفسهم، وعمّن يلون عليهم ولايةً كاملةً، وإن كانوا فقراء لا يخرج الزّكاة عنهم ; لأنّه وإن كانت نفقتهم واجبةً عليه إلاّ أنّه لا يلي عليهم ولايةً كاملةً فليس له حقّ التّصرّف في مالهم إن كان لهم مال إلاّ بإذنهم. وإن كان أحدهم مجنونًا، فإن كان غنيًّا أخرج الصّدقة من ماله، وإن كان فقيرًا دفع عنه صدقة الفطر ; لأنّه ينفق عليه، ويلي عليه ولايةً كاملةً، فله حقّ التّصرّف في ماله بدون إذنه. وقال الحنفيّة بناءً على قاعدتهم المذكورة: لا تجب عن زوجته لقصور الولاية والنّفقة، أمّا قصور الولاية، فإنّه لا يلي عليها إلاّ في حقوق النّكاح فلا تخرج إلاّ بإذنه، أمّا التّصرّف في مالها بدون إذنها فلا يلي عليه. وأمّا قصور النّفقة فلأنّه لا ينفق عليها إلاّ في الرّواتب كالمأكل والمسكن والملبس. وكما لا يخرجها عن زوجته لا يخرجها عن والديه وأقاربه الفقراء إن كانوا كبارًا ; لأنّه لا يلي عليهم ولايةً كاملةً. وذهب المالكيّة إلى أنّ زكاة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه وعن كلّ من تجب عليه نفقته. وهم الوالدان الفقيران، والأولاد الذّكور الفقراء، والإناث الفقيرات، ما لم يدخل الزّوج بهنّ. والزّوجة والزّوجات وإن كنّ ذوات مالٍ، وزوجة والده الفقير لحديث ابن عمر: {أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصّغير والكبير والحرّ والعبد ممّن تمونون}. أي: تنفقون عليهم.

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ صدقة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه، وعن كلّ من تجب عليه نفقته من المسلمين، لقرابةٍ، أو زوجيّةٍ، أو ملكٍ، وهم:

أوّلًا: زوجته غير النّاشزة ولو مطلّقةً رجعيّةً، سواء كانت حاملًا أم لا، أم بائنًا حاملًا، لوجوب نفقتهنّ عليه. لقوله تعالى: {وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ} ومثلها الخادم إذا كانت نفقته غير مقدّرةٍ، فإن كانت مقدّرةً بأن كان يعطى أجرًا كلّ يومٍ، أو كلّ شهرٍ، لا يخرج عنه الصّدقة ; لأنّه أجير والأجير لا ينفق عليه.

ثانيًا: أصله وفرعه ذكرًا أو أنثى وإن علوا، كجدّه وجدّته. ثالثًا: فرعه وإن نزل ذكرًا أو أنثى صغيرًا أو كبيرًا، بشرط أن يكون أصله وفرعه فقراء. وقالوا: إن كان ولده الكبير عاجزًا عن الكسب أخرج الصّدقة عنه، وقالوا: لا يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الفقير ; لأنّه لا تجب عليه نفقتها. وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب إخراج الصّدقة عن نفسه، وعن كلّ من تجب عليه نفقته من المسلمين، فإن لم يجد ما يخرجه لجميعهم بدأ بنفسه، فزوجته، فأمّه، فأبيه، ثمّ الأقرب فالأقرب على حسب ترتيب الإرث، فالأب وإن علا مقدّم على الأخ الشّقيق، والأخ الشّقيق مقدّم على الأخ لأبٍ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير