واستدلّ الجمهور على وجوب صاعٍ من برٍّ بحديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: {كنّا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، أو صاعًا من أقطٍ، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت}.
وذهب الحنفيّة إلى أنّ الواجب إخراجه من القمح نصف صاعٍ، وكذا دقيق القمح وسويقه، أمّا الزّبيب فروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يجب نصف صاعٍ كالبرّ، لأنّ الزّبيب تزيد قيمته على قيمة القمح، وذهب الصّاحبان - أبو يوسف ومحمّد - إلى أنّه يجب صاع من زبيبٍ، واستدلّوا على ذلك بما روي عن أبي سعيدٍ الخدريّ - رضي الله عنه -: {كنّا نخرج إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كلّ صغيرٍ وكبيرٍ، حرٍّ أو مملوكٍ، صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، فلم نزل نخرج، حتّى قدم علينا معاوية حاجًّا أو معتمرًا، فكلّم النّاس على المنبر، وكان فيما كلّم به النّاس أن قال: إنّي أرى أنّ مدّين من سمراء الشّام يعني القمح تعدل صاعًا من تمرٍ، فأخذ النّاس بذلك، أمّا أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت، كما كنت أخرجه}.
دلّ الحديث على أنّ الّذي كان يخرج على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاع من الزّبيب. استدلّ الحنفيّة على وجوب نصف صاعٍ من برٍّ بما روي {أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطب قبل الفطر بيومٍ أو يومين، فقال: أدّوا صاعًا من برٍّ بين اثنين، أو صاعًا من تمرٍ، أو شعيرٍ، عن كلّ حرٍّ، وعبدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ}.
(نوع الواجب):
ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجزئ إخراج زكاة الفطر القيمة من النّقود وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البرّ أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاعٍ، وإن أخرج من الشّعير أو التّمر أو الزّبيب فصاع، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: {كان النّاس يخرجون على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من شعيرٍ أو تمرٍ أو سلتٍ أو زبيبٍ}.
قال ابن عمر: فلمّا كان عمر، وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطةٍ، مكان صاعٍ من تلك الأشياء. ثمّ قال الحنفيّة: ما سوى هذه الأشياء الأربعة المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز، أو غير الحبوب كاللّبن والجبن واللّحم والعروض، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها، فإذا أراد المتصدّق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلًا، فيقوّم نصف صاعٍ من برٍّ، فإذا كانت قيمة نصف الصّاع ثمانية قروشٍ مثلًا، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية قروشٍ مثلًا، ومن الأرز واللّبن والجبن وغير ذلك من الأشياء الّتي لم ينصّ عليها الشّارع، يخرج من العدس ما يعادل قيمته. وذهب المالكيّة، إلى أنّه يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والأرز، والفول والقمح والشّعير والسّلت والتّمر والأقط والدّخن. وما عدا ذلك لا يجزئ، إلاّ إذا اقتاته النّاس وتركوا الأنواع السّابقة، ولا يجوز الإخراج من غير الغالب، إلاّ إذا كان أفضل، بأن اقتات النّاس الذّرة فأخرج قمحًا. وإذا أخرج من اللّحم اعتبر الشّبع، فإذا كان الصّاع من البرّ يكفي اثنين إذا خبز، أخرج من اللّحم ما يشبع اثنين. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يخرج من جنس ما يجب فيه العشر، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده، وقيل: من غالب قوته، وقيل: مخيّر بين الأقوات، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس. وذهب الحنابلة إلى أنّه يخرج من البرّ أو التّمر أو الزّبيب أو الشّعير، لحديث أبي سعيدٍ السّابق وفيه: {كنّا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ ... } الحديث ويخيّر بين هذه الأشياء، ولو لم يكن المخرج قوتًا. ويجزئ الدّقيق إذا كان مساويًا للحبّ في الوزن، فإن لم يجد ذلك أخرج من كلّ ما يصلح قوتًا من ذرةٍ أو أرزٍ أو نحو ذلك.
والصّاع مكيال متوارث من عهد النّبوّة، وقد اختلف الفقهاء في تقديره كيلًا، واختلفوا في تقديره بالوزن.
مصارف زكاة الفطر:
اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر على ثلاثة آراءٍ: ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها على الأصناف الثّمانية الّتي تصرف فيها زكاة المال
وذهب المالكيّة وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين. وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثّمانية، أو من وجد منهم.
(أداء القيمة):
ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز دفع القيمة، لأنّه لم يرد نصّ بذلك، ولأنّ القيمة في حقوق النّاس لا تجوز إلاّ عن تراضٍ منهم، وليس لصدقة الفطر مالك معيّن حتّى يجوز رضاه أو إبراؤه.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر، بل هو أولى ليتيسّر للفقير أن يشتري أيّ شيءٍ يريده في يوم العيد ; لأنّه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحمٍ أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب، يضطرّه إلى أن يطوف بالشّوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمنٍ بخسٍ أقلّ من قيمتها الحقيقيّة، هذا كلّه في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرةٍ في الأسواق، أمّا في حالة الشّدّة وقلّة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاةً لمصلحة الفقير. ((وهذا هو الأنسب اعصرنا))
مكان دفع زكاة الفطر:
تفرّق زكاة الفطر في البلد الّذي وجبت على المكلّف فيه، سواء أكان ماله فيه أم لم يكن ; لأنّ الّذي وجبت عليه هو سبب وجوبها، فتفرّق في البلد الّذي سببها فيه.
¥