النقود، وقد تحتكر الدولة أمر الإصدار، وبهذا أصبحت الأوراق ذات قيمة بنفسها دون أن تكون وثائق عن الذهب والفضة، وسحب التعهد الذي كان مكتوباً عليها. وبهذا التاريخ الموجز جداً عن تطور النقود الورقية نستطيع أن نعرف ماهية النقود الورقية، فقد عرفها الشيخ ابن منيع بقوله:" النقد هو كل شيء يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل مهما كان ذلك الشيء وعلى أي حال يكون ".
ويستدل لذلك بقول الإمام مالك في (المدونة):" ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة ". أهـ كلام مالك - رحمه الله -.
كما يستدل أيضاً بقول ابن تيمية: "وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح " إلخ كلامه - رحمه الله -.
وأصبحت الزكاة تجب في هذه النقود كما تجب في الدراهم والدنانير، باعتبار أنها أثمان للأشياء.
وحتى نعرف نصاب هذه النقود الورقية لا بد من معرفة نصاب الدنانير والدراهم:
فنصاب الدنانير: عشرون ديناراً.
ونصاب الدراهم: مائتا درهم.
والدينار يساوي مثقالاً، وهذا التقدير يذكر العلماء أنه لم يتغير لا في جاهلية ولا في إسلام، انظر (المطلع 134) (فقه الزكاة) للقرضاوي (1/ 253).
والنسبة بين الدرهم والدينار معروفة أيضاً: وهي نسبة (10:7) سبعة إلى عشرة. فالدرهم (7/ 10) المثقال. فإذا كان الدينار (أو المثقال) لم يتغير في جاهلية، ولا إسلام فإن معرفة وزن هذا المثقال يقود إلى معرفة وزن الدرهم؛ لأن النسبة بين الدرهم والمثقال معروفة أيضاً متفق عليها.
وقد كان هناك طريقتان لمعرفة وزن المثقال:الأولى: ذكر العلماء مقدار المثقال بالحبوب.فذهب الجهور إلى أن المثقال: يزن اثنين وسبعين حبة شعير من الحبوب المعتدلة غير المقشورة ومقطوع من طرفيها ما دق وطال. وعند الحنفية: المثقال: يزن مئة حبة شعير.
واختلف العلماء في وزن المثقال بالجرامات بعد أن قدره العلماء بحب الشعير على أقوال:
الأول: 3.5 جرامات، فنصاب الذهب 3.5 × 20 = 70 جراماً.
الثاني: 4.25 جراماً، فنصاب الذهب 4.25 × 20 = 85 جراماً.
الثالث: 3.60، فيكون النصاب 3.60 ×20 = 72 جراماً.
انظر (مجمع الأنهر 1/ 205)، (بلغة السالك 1/ 217)، (الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ص:50)، (القاموس 3/ 330)، (حاشية عثمان على المنتهى 2/ 448)، (مجالس شهر رمضان) لابن عثيمين (ص: 77)، و (مجلة كلية الشريعة بالأحساء العدد الثالث ص: 220).
والراجح منها: القول الثاني، وهو كونه (4.25) لما ذكره القرضاوي في كتابه (فقه الزكاة)، فقد سلك طريقاً أدق من معرفة الوزن عن طريق الحبوب التي قد تختلف من بلد لآخر، ومن نوع لآخر.
يقول الشيخ القرضاوي في (فقه الزكاة 1/ 258): "بقي أمامنا طريقة أخرى لمعرفة مقدار الدرهم والدينار الشرعيين، وهي الطريقة الاستقرائية الأثرية، أعني: تتبع أوزان النقود المحفوظة في المتاحف العربية والغربية، وبخاصة الدينار أو المثقال، فإنهم قرروا أنه لم يتغير في جاهلية، ولا إسلام، وأنهم حين ضربوا الدراهم جعلوا العشرة منها وزن سبعة مثاقيل، فكأن المثقال هو الأصل الذي نحتكم إليه، فإذا عرفنا وزن المثقال عرفنا به نصاب النقدين معاً: الذهب والفضة.
هذا ما سلكه بعض الباحثين من الأوربيين، وتبعهم البحاثة المصري علي باشا مبارك الذي خصص الجزء العشرين من الخطط التوقيفية للنقود، وقد أثبتوا بواسطة استقراء النقود الإسلامية المحفوظة في دور الآثار بلندن وباريس ومدريد وبرلين أن دينار عبد الملك يزن (4.25) جرامات، وهو وزن الدينار البيزنطي نفسه، وإذن يكون الدرهم: 4.25في 7 على عشرة =2.9754.25×7 = 2.975
قال الشيخ: ولعل هذه الطريقة هي أمثل الطرق لمعرفة الدرهم والدينار الشرعيين وأبعدها عن الخطأ، وأقربها إلى المنهج العلمي؛ لابتنائها على استقراء واقعي لنقود تاريخية لا مجال للطعن في صحتها وثبوتها.
فيكون نصاب الفضة:2.975 × 200 = 595 جراما
ويكون نصاب الذهب - كما سبق -: 4.25 × 20 = 85 جراماً من الذهب.
وبالتالي فمن ملك من النقود ما يعادل قيمة (595) جراماً من الفضة فقد ملك النصاب، ولا على الإنسان إلا أن ينظر إلى قيمة جرام الفضة كم يساوي من الريالات ليعرف نصاب النقود، والله أعلم.
¥