الوجه الأول: اتفق علماء الحديث الذين شرحوا هذه الروايات، وعلماء اللغة الذين بيّنوا معاني كلام العرب، أن المرط هو الكساء، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: " (لابس مرط عائشة): هو بكسر الميم، وهو كساء من صوف. وقال الخليل:كساء من صوف أو كتّان أو غيره " أ. هـ، وقال ابن منظور في " لسان العرب ": " المَرْطُ كِساء من خَزّ أَو صُوف أَو كتّان، وجمعه مُرُوطٌ. وفي الحديث: أَنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مُرُوط نسائه، أَي أَكْسِيَتِهِنّ، الواحد: مِرْط يكون من صوف، وربما كان من خزّ أَو غيره يؤتَزر به. وفي الحديث: أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُغَلِّس بالفجر، فينصرف النساء مُتَلَفِّعات بـ مُروطهنّ ما يُعرفْن من الغَلَس؛ و المِرْط: كل ثوب غير مَخِيط ". أ. هـ.
فهذا الكساء ليس بمخيط كما اتضح من كلام أهل اللغة، وهو مشترك بين الرجال والنساء فليس فيه خصوصيّة لأحد الجنسين، وقد روى الإمام مسلم و الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم " خرج ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ".
وإذا كان الأمر كذلك، فهل يُعقل أن يقال أن المرط هو (الفستان)؟.
الوجه الثاني: إن الكساء غير المخيط يكون لبسه عند العرب أن يُلتحف به أو يُفترش على الأرض، فكيف يكون لبس النبي صلى الله عليه وسلّم لمرط عائشة معيبا؟
الوجه الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم هنا: (اجمعي عليك ثيابك) معناه: خذي هذا المرط عنّي، وليس معناه أنها كانت عارية – والعياذ بالله -، و يدلّ لذلك ما يلي:
أولاً: أن الحديث ليس فيه ذكر شيء من الثياب سوى المرط الذي كان على النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن قوله: (اجمعي عليك ثيابك) المراد منه ذلك الثوب وهو المرط، ولو كان المراد به شيئاً آخر، لما كان لذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم لمرط عائشة عليه في أوّل الحديث فائدة، ولاحتجنا إلى تقدير عودة الثياب إلى ثياب غير مذكورة في السياق، وهو خلاف ظاهر اللفظ ومقتضى الكلام العربي.
ثانياً: لو كان حال عائشة رضي الله عنها أنها كانت غير مستترة، لما كان هناك فائدة من تستّرها بعد أن رآها عمر غير مستترة، وهذا لا يمكن بحال.
ثالثاً: أن مدار الحديث كان في بيان حال النبي صلّى الله عليه وسلّم لا في بيان حال عائشة أو غيرها، وانظر إلى ألفاظ الحديث: (فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال) فالضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك، ثم قال: (ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك)، والضمير هنا يعود كذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالت: (ثم دخل عثمان فجلستَ وسوّيتَ ثيابك)، مما يدلّ على أن مدار القصّة كلها على وضعيّة النبي صلى الله عليه وسلم وصفة جلسته، وإذا كان كذلك، كان الثوب المأمور بجمعه – أي أخذه – هو الثوب الذي كان على النبي صلى الله عليه وسلّم نفسه، ويدلّ لذلك ما جاء عن أبي يعلى بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خشيتُ إن أذنت له وأنا على تلك الحال أن لا يبلغ في حاجته)، فهذا دليل على أن الحياء من عثمان كان من حاله صلى الله عليه وسلّم هو، وليس من حال عائشة رضي الله عنها.
رابعاً: أن الحديث جاء مرتِّبا لحال النبي صلى الله عليه وسلم كالآتي: اضطجاعه، ولبسه لمرط امرأته، ثم دخول أبي بكر و عمر رضي الله عنهما وهو على تلك الحال، ولما دخل عثمان رضي الله عنه كان مقتضى الأمر أن يعدّل تلك الحالين بعد دخول عثمان رضي الله عنه، فتعديل الاضطجاع بأن يعتدل في جلوسه، وتعديل لبسه للمرط أن يردّه إلى زوجه؛ ولهذا قال أول الحديث: " وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة "، ثم قال في آخره: " فجلس وقال ل عائشة: (اجمعي عليك ثيابك) "، فوجب أن يكون الثوب عائداً على نفس المرط الأوّل.
خامساً: أن عثمان رضي الله عنه قال: " ثم استأذنتُ عليه فجلس، وقال ل عائشة .. "، فهذا يدل على أن الترتيب الزمني للأحداث كان كالآتي: استئذانه بالدخول، ثم دخوله، ثم اعتدال النبي صلى الله عليه وسلّم وأمره ل عائشة رضي الله عنها بأن تأخذ ثوبها، كما هو مقتضى الضمائر المذكوره، وعليه: فلو كان عثمان رضي الله عنه قد رأى ما يسوؤه، لما بقي في تلك الحجرة، ولبادر بالخروج.
¥