قوله: «أسود» أي: دون الأحمر، والأبيض، والأزرق. أو أيّ لون غير الأسود.
قوله: «بهيم» أي: خالص لا يخالط سواده لون آخر، ومنه ما جاء في حديث عائشة: «تحشرون يوم القيامة حُفاةً عُراةً غرلاً» وزاد في حديث عبد الله بن أُنيس: «بُهماً» يعني: ليس معكم شيء، فبَهيم يعني: لم يخالط سواده لون آخر؛ إلا أن بعض أهل العلم قال: إذا كان فوق عينيه نقطتان بيضاوان لم يخرج عن كونه بهيماً.
قوله: «فقط»: أي: لا غير، وهذه الكلمة - أعني «فقط» - قال النحويون في إعرابها: «الفاء» زائدة لتحسين اللفظ، و «قط» اُسم بمعنى حسب، وهي مبنية على السكون، وبُنيت لأنها أشبهت الحرف بالوضع، لأنها على حرفين.
قال ابن مالك في أسباب بناء الاسم:
كالشبه الوضعي في اُسمي جئتنا.
ولماذا فقَّط المسألة؟ فقَّطَها لأمرين:
أولاً: ليخرج الكلب الأحمر والأبيض وما أشبه ذلك، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر -: ما بالُ الكلبِ الأسود، من الكلبِ الأحمر، من الكلبِ الأصفر؟ قال: «الكلبُ الأسودُ شيطان».
والصحيح: أنه شيطان كلاب، لا شيطان جِنٍّ، والشيطان ليس خاصًّا بالجن قال الله تعالى:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنّ) (الأنعام: من الآية112) فالشيطان كما يكون في الجِنِّ يكون في الإِنس، ويكون في الحيوان، فمعنى شيطان في الحديث، أي: شيطان الكلاب، لأنه أخبثها ولذلك يُقتل على كُلِّ حال، ولا يحلُّ صيده بخلاف غيره.
ثانياً: ليخرج المرأة والحمار.
وهذا هو المشهور من المذهب؛ أن الصَّلاة لا تبطل إلا بمرور الكلب الأسود البهيم فقط، فلا تبطل بمرور غيره.
والخلاصة: أن بطلان الصَّلاةِ بذلك له أربع شروط:
1 - المرور.
2 - أن يكون المارُّ كلباً.
3 - أن يكون أسود.
4 - أن يكون بهيماً.
فإن اُختلَّ شرطٌ واحدٌ فلا بُطلان.
وأما المرأة والحمار؛ فلا تبطل الصَّلاةُ بمرورهما على ما أفاده كلام المؤلِّف، وهو المذهب.
والدَّليل على أنَّ الكلب الأسود يُبطل الصَّلاةَ، حديث أبي ذرٍّ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قامَ أحدُكم يُصلِّي، فإنه يَسْتُرُهُ إذا كان بين يديه مثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فإذا لم يكن بين يديه مثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فإنه يقطعُ صلاتَهُ: الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ» وفي بعض هذه الأحاديث الإطلاق كحديث عبد الله بن مُغَفَّل، وحديث أبي هريرة.
وقوله: «يقطع» أي: يبطل؛ لأن قَطْعَ الشيء فَصْلُ بعضِه عن بعض، تقول: قطعتُ السلك، أي: فصلت بعضَه عن بعض، فإذا مرَّ مَن يقطع الصَّلاة لم يمكن أن يبني آخرها على أوَّلها، فهذا هو الدليل. وهذا الدليل يقتضي أن الذي يقطعُ الصَّلاة ثلاثة، وليس الكلب الأسود البهيم فقط. لكنهم قالوا: إن هذا مخصَّصٌ بأدلة تخرجُ الحِمَار، وتخرجُ المرأةَ.
أما الحِمار فخصَّصوه، بحديث ابن عباس حين جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس بمِنى، فمرَّ بين يدي بعض الصَّفِّ وهو راكبٌ على حِمار أتان، وأرسل الحِمارَ ترتع، ولم يُنكر عليه أحدٌ. قالوا: فهذا ناسخ لحديث عبد الله بن مغفَّل وأبي هريرة، لأنه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا نَظَرٌ من وجهين:
أولاً: أن النسخ هنا غير تامِّ الشُّروط؛ لأنه لم يكن هذا الفِعل في آخر لحظة مِن حياته (ص)، إذ مِن الجائز أن يكون حديث أبي هريرة، وعبد الله بن مغفَّل، وأبي ذرٍّ بعد حجَّة الوداع، ومِن شروط النسخ أن نعلم تأخُّر الناسخ.
ثانياً: أن ابن عباس لم يقل: إنه مَرَّ بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بين يدي بعض الصَّفِّ، ونحن نقول بموجب ذلك، أي: أن المأموم لا يقطع صلاتَه شيء؛ لا الكلب ولا غيره؛ لأن سُترة الإِمام سُترة له.
وأما المرأة؛ فقالوا: عندنا دليلان على أن المرأة لا تقطع الصَّلاةَ.
الدليل الأول: حديث عائشة لما قيل لها: إن المرأة تقطعُ الصَّلاةَ - فغضبت وقالت: «قد شَبَّهْتُمُونا بالحمير والكلاب! لقد كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم معترضة وهو يُصلِّي بالليل».
فلو كانت تقطع صلاته ما اُستمرَّ في صلاته.
والجواب: أنَّ هذا الحديث ليس فيه دليل؛ لأن هذا ليس بمرور، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: «فلا يدع أحداً يمر»، وفَرْقٌ بين المرور والاضطجاع، ونحن نوافقكم على أن المرأة لو اُضطجعت بين يدي المصلِّي لم تقطع صلاته.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي في بيت أُمِّ سَلَمة، فجاء عبدُ الله بن أبي سلمة أو عُمرُ بن أبي سلمة؛ يريد أن يتجاوز بين يدي الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام فَمَنَعَهُ، فجاءت زينبُ بنت أبي سَلَمة وهي طفلة صغيرة، فَمَنَعَها فلم تمتنع وعَبَرَت، فلما سَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هُنَّ أغلب» ولم يستأنف الصلاة.
ويُجاب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن هذا الحديث ضعيف، والضعيف لا تقوم به حُجَّة.
والثاني: أن البنت صغيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة». والمرأة هي الكبيرة البالغة، ونحن نوافقكم على أن الصغيرة لا تقطع الصَّلاةَ.
وعلى هذا فيكون القول الرَّاجحُ في هذه المسألة: أن الصَّلاة تبطل بمرور المرأة والحِمار والكلب الأسود، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا مقاوم لهذا الحديث يعارضه حتى نقول: إنه منسوخٌ أو مخصَّصٌ، بل تبطل الصَّلاة، ويجب أن يستأنفها، ولا يجوز أن يستمرَّ؛ حتى لو كانت الصلاة نَفْلاً؛ لأنه لو اُستمرَّ لاستمرَّ في عبادة فاسدة، والاستمرار في العبادات الفاسدة محرَّم، ونوع مِن الاستهزاء بالله. إذ كيف يتقرَّب إلى الله بما لا يرضاه. ومِن قواعد أهل العلم: «كلُّ عقد فاسد، وكلُّ شرط فاسد، وكلُّ عبادة فاسدة، فإنه يحرم المضيُّ فيها». ولهذا لما شَرَطَ أهلُ بريرة الولاء لهم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال منكراً عليهم: «ما بالُ أقوامٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله».
¥