"و أما الإجماع:فإنه لم ينقل عن أحد من المسامين في ذلك خلاف،و لو كان هناك خلاف لنقل،إذ العادة تقتضي ذلك").انتهى الاقتباس. (بداية المجتهد،1/ 14،مكتبة الإيمان بالمنصورة،مصر،ط1،1417/ 1997م).
و يمكن القول بإفادة الآية بذلك النهي - عن كتمان الحيض - إجماعا بدلالة العموم في قوله تعالى:"ما خلق الله في أرحامهن"،فيدخل فيه الحيض،إذ لا دليل على التخصيص،فيبقى العام على عمومه حتى يقوم الدليل المغير،على ما هو مقرر في علم الأصول.
فقوله تعالى:"في أرحامهن" عام،لمجيئه بلفظ من ألفاظ العموم،وهو المعرف بالإضافة.
وهذا النهي عن الكتمان لما خلق الله في أرحام المطلقات مجمع عليه لما استدلنا به آنفا،قال الإمام القرطبي:
"قوله تعالى: {إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر} هذا وعيد عظيم شديد لتأكيد تحريم الكتمان،و إيجاب لأداء الأمانة في الإخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه ". (الجامع لأحكام القرآن،ص926،ط دار الشعب بالقاهرة).
كما يمكن القول بالإجماع على النهي عن كتمان الحيض للمطلقات: من الإجماع على وجوب العدة عليهن بدلالة المعنى (المعنى المقصود من العدة)،في قوله تعالى: {و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}. (البقرة:228).قال القرطبي: {يتربصن} التربص الانتظار،على ما قدمناه. وهذا خبر و المراد الأمر. (ص 920،المصدر السابق).
هذا و الله تعالى أعلم.
****************************
أما بخصوص ما قيل من النسخ في هذه الآية فليس في ذلك الكتمان للحيض،وإنماكان في الرجعة بعد الطلقات الثلاث،ورويت في ذلك عدة أحاديث، أخرجها الإمام النسائي، و أبو داود،و غيرهما:
(باب نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث):
باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث 5748 حدثنا زكريا بن يحيى قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي قال حدثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس ثم في قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وقال وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل الآية وقال تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فأول ما نسخ في القرآن القبلة وقال تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إلى قوله إن يريدا إصلاحا وذلك بأن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). (السنن الكبرى للنسائي،3/ 401، ط1،دار الكتب العلمية ببيروت،1414/ 1991م)
(معذرة على هذا الانقطاع في الكلام،ومعذرة على هذا الفراغ الفاصل بين أجزاء الكلام،مما تعذر على تداركه،خشية مسح و ضياع ما كتب)
وكذلك اخرج أبو داود
(باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث) ح 2195 (حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال ثم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك وقال الطلاق مرتان). (سنن أبي داود،2/ 259،ط دار الفكر).
وقال قوم إن النسخ كان لذلك،وكان لحكم دخول المطلقة قبل البناء بها وكذا الحامل في تلك العدة المذكورة في تلك الآية،أي الثلاثة قروء ثم نسخ،قال القرطبي:وهو ضعيف،و إليك ما قاله:
قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فيه خمس مسائل الأولى قوله تعالى والمطلقات لما ذكر الله تعالى الإيلاء وأن الطلاق قد يقع فيه بين تعالى حكم المرأة بعد التطليق وفي كتاب أبي داؤد والنسائي عن ابن عباس قال في قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق بها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك وقال الطلاق مرتان الآية والمطلقات لفظ عموم والمراد به الخصوص في المدخل بهن وخرجت المطلقة قبل البناء بآية الأحزاب فما لكم عليهن من عدة تعتدونها على ما يأتي وكذلك الحامل بقوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن والمقصود من الاقراء الاستبراء بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة وجعل الله عدة الصغيرة التى لم تحض والكبيرة التى قد يئست الشهور على ما يأتي وقال قوم إن العموم في المطلقات يتناول هؤلاء ثم نسخن وهو ضعيف وإنما الآية فيمن تحيض خاصة وهو عرف النساء وعليه معظمهن الثانية قوله تعالى يتربصن التربص الانتظار على ما قدمناه وهذا خبر والمراد الأمر كقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن وجمع رجل عليه ثيابه وحسبك درهم أي اكتف بدرهم هذا قول أهل اللسان خلاف بينهم فيما ذكر ابن الشجرى ابن العربى وهذا باطل وإنما هو خبر عن حكم الشرع فإن وجدت مطلقةا تتربص فليس من الشرع ولا يلزم من ذلك وقوع خبر الله تعالى على خلاف مخبره وقيل معناه ليتربص فحذف اللام). (الجامع لأحكام القرآن،ص920،ط دار الشعب بالقاهرة).
والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
كتبه
د. أبو بكر عبد الستار خليل
¥