تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأزواج ما ينفي العدة الأخري، فدل القرآن على أن العدة حيث وجبت ففيها حق للأزواج، وحينئذ فإذا كانت العدة فيها حق لرجلين، لم يدخل حق أحدهما في الآخر؛ فإن حقوق الآدميين لا تتداخل، كما لو كان لرجلين دَيْنَان على واحد، أو كان لهما عنده أمانة، أو غصب، فإن عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، فهذا الذي قاله الجمهور من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم.

/واحتجوا على أبي حنيفة بأنه يقول: لو تزوج المسلم ذمية وجبت عليها العدة حقا محضا للزوج؛ لأن الذمية لا توآخذ بحق الله؛ ولهذا لا يوجبها إذا كان زوجها ذميا، وهم لا يعتقدون وجوب العدة، وهذا الذي قاله له الأكثرون: حسن، موافق لدلالة القرآن. ولما قضي به الخلفاء الراشدون لا سيما ولم يثبت عن غيرهم خلافه؛ وإن ثبت فإن الخلفاء الراشدين إذا خالفهم غيرهم كان قولهم هو الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي: تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).

لكن من تمام كون العدة حقا للرجل أن يكون له فيها حق على المرأة وهو ثبوت الرجعة، كما قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]، فأمرهن بالتربص، وجعل الرجل أحق بردها في مدة التربص، وليس في القرآن طلاقا إلا طلاق رجعي، إلا الثالثة المذكورة في قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وذلك طلاق أوجب تحريمها فلا تحل له بعقد يكون برضاها ورضا وليها، فكيف تباح بالرجعة؟! أما المرأة التي تباح لزوجها في العدة فإن زوجها أحق برجعتها في العدة بدون عقد، وليس في القرآن طلاق بائن تباح فيه بعقد ولا يكون الزوج أحق بها، بل متي كانت حلالا له كان أحق بها.

/وعلى هذا فيظهر كون العدة حقا للرجل، فإنه يستحق بها الرجعة، بخلاف ما إذا أوجبت في الطلاق البائن التي تباح فيه بعقد؛ فإنه هنا لا حق له، إذ النكاح إنما يباح برضاهما جميعا، ولهذا طرد أبو حنيفة أصله، لما كان الطلاق عنده ينقسم إلى بائن، ورجعي، وله أن يوقع البائن بلا رضاها، جعل الرجعة حقا محضا للزوج، له أن يسقطها، وله ألا يسقطها، بخلاف العدة فإنه ليس له إسقاطها، فلا تكون حقا له.

وهذا يؤيد أن الخلع ليس بطلاق، فإنه موجب للتسوية. ويؤيد أنه ليس للرجل فيه عدة على المرأة كما يكون في الطلاق، بل عليها استبراء بحيضة؛ فإن الاستبراء بحيضة حق الله؛ لأجل براءة الرحم فلابد منه في كل موطوءة، سواء وطئت بنكاح صحيح، أو فاسد، أو بملك يمين، فإنه يجب لبراءة رحمها من ماء الواطئ الأول؛ لئلا يختلط ماؤه بماء غيره، وكذلك يجب على أصح قولي العلماء على الموطوءة بالزني؛ لأجل ماء الواطئ الثاني؛ لئلا يختلط ماؤه بماء الزاني. وهذا مذهب مالك وأحمد. وإذا لم يجب على المختلعة إلا عدة بحيضة، فعلى المنكوحة نكاحًا فاسدًا أولى؛ فإنه لا رجعة عليها ولا نفقة لها.

فإن قيل: ففي حديث طليحة أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها الثاني أتمت عدة زوجها، وإن دخل بها أتمت بقية عدتها للأول، ثم اعتدت للثاني. وكذلك عن على: أنه قضي أنها تأتي ببقية عدتها للأول، ثم تأتي للثاني بعدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فإن شاءت نكحت، وإن شاءت لم تنكح.

/قيل: نعم. لكن لفظ العدة في كلام السلف يقال على القروء الثلاثة، وعلى الاستبراء بحيضة، كما تقدم نظائره. وحينئذ ـ فعمر وعلى إن كان قولهما في المختلعة ونحوها أنها تعتد بحيضة ـ فيكونان أراد أنها تعتد بحيضة. وإن كان قولهما أنها تعتد بثلاثة قروء، فيكون هذا فيه قولان للصحابة؛ فإن عثمان قد ثبت عنه أن المختلعة تعتد بحيضة. وإن قيل: بل قد نقول: تعتد المختلعة بحيضة، والمنكوحة نكاحا فاسدًا بثلاثة قروء، فهذا القول إذا قيل به يحتاج إلى بيان الفرق بين المسألتين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير