[أدب إسلامي رفيع من بقية السلف العلامة ابن باز رحمه الله]
ـ[أبو عمر الجوفي]ــــــــ[26 - 03 - 06, 07:22 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فقد اطلعت على الموقف الذي أورده فضيلة الشيخ علي بن صالح المري في منتدى تراجم وسير العلماء السابقين عن شيخه العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - عندها استيقظت خواطري، وتذكرت موقفاً عظيماً حدث لي معه شخصياً بعد انتهائه من إلقاء أحد الدروس العلمية في جامعه عام 1410هـ، إنه موقفاً يذكرنا بسيرة السلف الصالح الذين تعلموا الأدب مع طلابهم ومع علمائهم قبل أن يتعلموا العلم، ولعلني قبل أن أحدثكم عن هذا الموقف أورد لكم بعض أقوالهم في هذا الشأن.
قال أبوعبدالله سفيان بن سعيد الثوري: (كانوا لا يخرجون أبناءهم لطلب العلم حتى يتأدبوا ويتعبدوا عشرين سنة)
وقال عبدالله بن المبارك: (طلبت الأدب ثلاثين سنة , وطلبت العلم عشرين سنة , وكانوا يطلبون الأدب قبل العلم) وقال أيضاً (كاد الأدب يكون ثلثي العلم)
وأخرج الخطيب في الجامع بسنده إلى مالك بن أنس قال: قال محمد بن سيرين (كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم)
وبسنده إلى إبراهيم بن حبيب الشهيد قال: قال لي أبي (يا بُني إيت الفقهاء والعلماء , وتعلم منهم وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم , فإن ذاك أحب إلي لك من كثير من الحديث)
وبسنده أيضا إلى عبد الله بن المبارك قال: قال لي مخلد بن الحسين (نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث)
وعن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري قال (علم بلا أدب كنار بلا حطب، و أدب بلا علم كجسم بلا روح)
وعن عيسى بن حمادة زغبة قال: سمعت الليث بن سعد يقول (وقد أشرف على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئا فقال: ما هذا؟ أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم)
وقال سفيان بن عيينة، نظر عبيد الله بن عمر: إلى أصحاب الحديث و زحامهم فقال (شنتم العلم وذهبتم بنوره، لو أدركنا وإياكم عمر بن الحطاب لأوجعنا ضربا)
وعن محمد بن عيسى الزجاج قال (سمعت أبا عاصم يقول: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدنيا، فيجب أن يكون خير الناس)
قال الخطيب البغدادي (وقد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويعدون أنفسهم من أهله المختصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدعون، واقلهم معرفة بما إليه ينتسبون. يرى الواحد منهم إذا كتب عددا قليلا من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر، انه صاحب حديث على الإطلاق، ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه، ولا لحقْتهُ مشقه الحفظ لصنوفه وأبوابه)
وقال (وهم مع قلة كَتبِهم له وعدم معرفتهم به، أعظم الناس كبراً وأشد الخلق تيها وعجبا، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة، يخرقون – يجهلون – بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه، وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه ..... ) ا هـ.
هذا كلام الخطيب البغدادي الذي عاش ما بين عامي 392هـ وَ 463 هـ في بعض محدثي أهل زمانه فماذا سيقول لو أدرك زماننا هذا، فإلى الله المشتكى.
إنني بإيراد تلك النصوص أبين للقارئ الكريم صلة هذا الإمام الجليل بسلف هذه الأمة من العلماء الربانيين، فقد كان يعيش معنا بجسده ويعيش معهم بروحه، فهو بقية السلف (كما ينبغي أن يطلق عليه) وإليك هذا الموقف دون تعليق لترى الأدب الجم والخلق العالي الرفيع:
انتهينا من المجلس فلحقت به لأسأله وهو في منتصف الجامع عن حديث علي رضي الله عنه قال: (أن حبيبي النبي نهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة) وكان لدي علم مسبق بأقوال أهل العلم في الحكم على الحديث، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، والشوكاني في نيل الأوطار عنه: (في إسناده ضعف)، وقال الخطابي في معالم السنن في هامش هذا الحديث: (قلت: في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحداً من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو قوله: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ... )) فقال سماحة الشيخ ابن باز: (حديث ضعيف) فقلت له ياشيخ: إن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) وبإسناد أوضح عن علي رضي الله عنه نحواً من هذا: أنه كره الصلاة بأرض بابل، أو أرض الخسف، أو نحو ذلك. فقال – رحمه الله – وبهذا النص: (دع قولي وخذ قوله، هو أولى بالقبول رحمه الله) ولا زال يكررها حتى خرج من الجامع ليركب سيارته. فرحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم