ـ[عبدالله الميمان]ــــــــ[16 - 10 - 07, 07:03 ص]ـ
وهذا رأي العلامتان: ابن سعدي، وابن جبرين - غفر الله لهما، وأعلا درجتهما -.
أخي الفاضل عبدالله المزروع وفقك الله:
يبدو لي والله أعلم أن رأي الشيخين ابن سعدي رحمه الله وابن جبرين حفظه الله في التأخير لعذر، ويدل لذلك هاذان النصان:
1 - في الفتاوى السعدية المطبوعة في مجلد واحد في دار المنهاج الطبعة الأولى عام (1424) في ص172 سئل الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: إذا صام ستة أيام من شوال في ذي القعدة فهل يحصل له الأجر الخاص بها؟
ج- أما إن كان له عذر من مرض أو حيض أو نفاس أو نحو ذلك من الأعذار التي بسببها أخر صيام قضائه أو أخر صيام الست فلا شك في إدراك الأجر الخاص، وقد نصوا على ذلك.
وأما إذا لم يكن له عذر أصلا بل أخر صيامها إلى ذي القعدة أو غيره فظاهر النص على أنه لا يدرك الفضل الخاص، وأنه سنة في وقت فات محله، كما إذا فاته صيام عشر ذي الحجة أو غيرها حتى فات وقتها، فقد زال ذلك المعنى الخاص وبقي الصيام المطلق.) انتهت الفتوى.
2 - في شرح الشيخ ابن جبرين وفقه الله لكتاب أخصر المختصرات قال: (لو كان امرأة مثلا نفست في رمضان فأفطرت الثلاثين يوما ولم تطهر إلا فى عشر من شوال. فى هذه الحال صامت عشرين من شوال قضاء عن رمضان وبقي عليها من رمضان عشرة تصومها من ذي القعدة. فهل تفوت عليها هذه الست؟ الصحيح أنها تقضيها أو تصومها من ذي القعدة؛ لأن رمضان في حقها صار فى شوال.
وهكذا مثلا من أفطر لعذر إذا استمر به المرض مثلا، وأفطر رمضان كله، ولم يشفى إلا في شهر محرم فإنه يقضي، يقضي مثلا في شهر صفر ثلاثين يوما. يحب أن يصوم هذه الستة حتى يحصل له صيام الدهر يصومها بعد الإنتهاء من قضائه.)
فكلام الشيخ السعدي رحمه الله صريح في الموضوع، وأما كلام الشيخ ابن جبرين فهو محتمل احتمالا كبيرا أنه يرى تقييد ذلك بالعذر والله أعلم لأن الأمثلة التي ساقها هي في فوات صوم الست في شوال لعذر.
فهل اطلعت على كلام لهما يفيد التعميم فيما إذا كان لعذر ولغير عذر؟
علما أن كاتب هذا الموضوع الأخ عبدالعليم كلامه فيما إذا كان التأخير لغير عذر، والله أعلم.
تنبيه ثان: ذكر ابن قاسم رحمه الله في حاشيته على الروض أن بعض العلماء قالوا بشمول الفضل لمن صام في ستة أيام من شوال أو غيره استدلالا بعموم حديث ثوبان (ستة أيام بعد الفطر) قالوا: وإنما نص على شوال لسهولته.
قلت: في هذا الكلام أمور:
1 - أن ابن قاسم رحمه الله حكى هذا القول عن بعض أهل العلم ولم يشعر ذلك بأنه اختيار له.
2 - أن حديث ثوبان على فرض صحته (وهو عند ابن ماجه وصححه الألباني) فهو مطلق قيده حديث أبي أيوب الذي في صحيح مسلم، والقاعدة عند أهل العلم: أن المطلق يحمل على المقيد إذا اتحد الحكم والسبب، ويدل على ذلك أن ابن ماجه رحمه الله ذكره تحت باب (صيام ستة أيام من شوال)
3 - أن كون النص على شوال لسهولته خلاف الظاهر ولا دليل عليه، بل الظاهر أنه نص عليه لاختصاصه بهذا الفضل.
ولما كتبت ما سبق وقفت على كلام نفيس لابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن إذ يقول: (وَأَمَّا السُّؤَال الثَّانِي , وَهُوَ اِخْتِصَاص شَوَّال فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الرِّفْق بِالْمُكَلَّفِ , لِأَنَّهُ حَدِيث عَهْد بِالصَّوْمِ , فَيَكُون أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَفِي ذِكْر شَوَّال تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ صَوْمهَا فِي غَيْره أَفْضَل , هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيّ مِنْ الْمَالِكِيَّة , وَهُوَ غَرِيب عَجِيب. الطَّرِيق الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ الْمُبَادَرَة بِالْعَمَلِ , وَانْتِهَاز الْفُرْصَة , خَشْيَة الْفَوَات. قَالَ تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} وَقَالَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ} وَهَذَا تَعْلِيلُ طَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَغَيْرهمْ. قَالُوا: وَلَا يَلْزَم أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْفَضْل لِمَنْ صَامَهَا فِي غَيْره , لِفَوَاتِ مَصْلَحَة الْمُبَادَرَة وَالْمُسَارَعَة الْمَحْبُوبَة لِلَّهِ. قَالُوا: وَظَاهِر الْحَدِيث مَعَ هَذَا الْقَوْل. وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَقَوْلُهُ أَوْلَى. وَلَا رَيْب أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلْغَاء خُصُوصِيَّة شَوَّال , وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا كَانَ صَوْم رَمَضَان لَا بُدّ أَنْ يَقَع فِيهِ نَوْع تَقْصِير وَتَفْرِيط , وَهَضْم مِنْ حَقِّهِ وَوَاجِبِهِ نَدَبَ إِلَى صَوْم سِتَّة أَيَّام مِنْ شَوَّال , جَابِرَةٍ لَهُ , وَمُسَدِّدَة لِخَلَلِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَقَع فِيهِ. فَجَرَتْ هَذِهِ الْأَيَّام مَجْرَى سُنَن الصَّلَوَات الَّتِي يُتَنَفَّل بِهَا بَعْدهَا جَابِرَة وَمُكَمِّلَة , وَعَلَى هَذَا: تَظْهَر فَائِدَة اِخْتِصَاصهَا بِشَوَّال , وَاَللَّه أَعْلَم. فَهَذِهِ ثَلَاث مَآخِذ)
¥