كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيِّباً، وكان أولى بأن يكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة , وكانت أولى بأن يكون لها الطيب.
قال القرطبي – رحمه الله -:
وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) النور/3، الآية، فالخبيثات: الزواني، والطيبات: العفائف، وكذا الطيبون، والطيبات.
واختار هذا القول النحاس أيضاً، وهو معنى قول ابن زيد.
" تفسير القرطبي " (12/ 211).
ثانياً:
لا إشكال في الآية، على القول الأول أو الثاني، ولا تعارض بينها وبين ما ذكر السائل، ويراه الناس، من أن الزوجة ربما كانت صالحة والزوج فاسقا، أو العكس.
وإنما الإشكال – عند بعض الناس – في القول الثالث في مسألتين:
1. ما يرونه من عموم تزوج طيب بفاسقة، وتزوج فاسق بطيبة.
2. ما ورد بخصوص زوجتي نوح ولوط عليهما السلام ووصف الله لهما بالخيانة، وما ورد في تزوج امرأة فرعون المؤمنة بفرعون الطاغية.
فيقال هنا: إن معنى الآية ـ على تقدير أن يكون المراد بالخبث والطيب: خبث الأزواج وطيبهم ـ: أنه لا يليق بالطيب أن يتزوج إلا طيبة مثله، ولا يليق بالخبيثة إلا خبيث مثلها، ومن رضي بالخبيثة مع علمه بحالها: فهو خبيث مثلها، ومن رضيت بخبيث مع علمها بحاله: فهي خبيثة مثله.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.
وهذا - أيضاً - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم، أي: ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعاً ولا قَدَراً؛ ولهذا قال: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) أي: هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي: بسبب ما قيل فيهم من الكذب.
(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي: عند الله في جنات النعيم.
وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة.
" تفسير ابن كثير " (6/ 35).
وفي الآية بيان براءة عائشة رضي الله عنها، حيث زكاها الله تعالى بوصفها بالطيبة لأنها كانت تحت الطيب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الله تعالى ليختارها زوجة لنبيه صلى الله عليه وسلم لو كانت خبيثة! ومن هنا كان الطاعن في عرض عائشة طاعناً في النبي صلى الله عليه، ومستحقّاً للحكم بالردة والقتل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
قال أبو السائب القاضي: كنتُ يوماً بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطرستان، وكان يلبس الصوف، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويوجِّه في كل سنَة بعشرين ألف دينار إلى مدينة السلام يفرِّق على سائر ولد الصحابة، وكان بحضرته رجلٌ فذكَر عائشة بذكرٍ قبيحٍ من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه، وأنا حاضر، رواه اللالكائي
" الصارم المسلول " (1/ 568).
والأثر في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " للالكائي (1958).
فلله دره من حاكم، ونسأل الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء، وأن يكرم نزله بما ذبَّ عن عرض نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأما ما كان من زوجتي لوط ونوح عليهما السلام، حيث وصفهما الله تعالى بالخيانة في قوله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم/10، فالخيانة هنا هي خيانة في الإيمان.
¥