رمضان. . خصائصٌ و لطائف
ـ[عاصم بن صفوت الشوادفى]ــــــــ[28 - 08 - 08, 03:03 م]ـ
رمضان .. خصائص ولطائف
بقلم:
العلامة الشيخ صفوت الشوادفى
رحمه الله
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، إمام الصائمين والقائمين والعاكفين والصالحين .. وبعد:
لقد أظلنا شهر كريم مبارك، كتب الله علينا صيامه، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، من صامه إِيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إِيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، وقد بارك الله في هذا الشهر، وجعل فيه من الخصائص واللطائف والعبر ما ليس في غيره من الشهور.
فمن لطائفه وعجائبه أنه أسرع قادم، وأسرع ذاهب، فإِن شهور السنة - وهى جزء من عمر الإِنسان - تمر مر السحاب، ولا تشعر بذلك إِلا بقدوم رمضان لسرعة عودته بعد رحيله.
وهو أسرع ذاهب، لأنه ما أن يبدأ حتى ينتهي، وتمر أيامه ولياليه مرور النسيم تشعر به ولا تراه.
وأعجب من ذلك كثرة دموع التائبين التي تنهمر في ليل رمضان كأنها سيل جارى، أين كانت هذه الدموع الغزيرة عبر شهور كثيرة مضت وانقضت؟ لقد حبستها المعاصي وسجنها القلب القاسي، ثم أطلقتها التوبة فسالت وانحدرت من مآقيها لتنقذ العين من عذاب الله، لأنها بكت من خشية الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عينان لا تمسهما النار:عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله " [رواه الترمذي (1639)]
وفى رمضان يقبل المسلمون في المشارق والمغارب على القرآن، في الليل والنهار و يتنافسون على تلاوته في الصلاة، يدفعهم إلى ذلك رجاء رحمة الله، والخوف من عذاب الله.
كما يختص رمضان دون غيره من الشهور بكثرة التائبين والعائدين إِلى الله، فهو شهر توجل فيه القلوب، وتدمع العيون، وتقشعر فيه الجلود، وهذه الصفات الثلاثة كانت ملازمه للجيل الأول في كل شهور العام، كما أن هذه الصفات قد جعلها الله عز وجل علامة صادقه على الإِيمان؛ فقال سبحانه وتعالى عن الصفة الأولى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
وقال عن الثانية: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
وقال في الثالثة: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83]،
وقد أثمر هذا الإيمان الراسخ، واليقين الكامل عند السلف الصالح مجموعة من الخصال التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتي لا تجتمع أبداً إِلا في مؤمن صادق، ويجمعها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله (ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إِذ الناس نائمون، وبنهاره إِذ الناس مفطرون، وبحزنه إِذ الناس يفرحون، وببكائه إِِذ الناس يضحكون، وبصمته إِذ الناس يخوضون، وبخشوعه إِذ الناس يختالون).
إِنها: قيام ليل، وصيام نهار، وحزن وندم على التفريط والإِسراف على النفس، وبكاء من شدة الخوف، وصمت يحفظ من الزلل، ويدعوا إِلى التفكر والتدبر، وخشوع محاطٌ بذل العبودية لله رب العالمين.
ويجتمع في رمضان من صنوف البر، وأوجه الخير أنواع كثيرة وافرة وكلها أبواب مفتوحة على الجنة، مفضية إلى رضوان الله، ومع كثرة الأبواب و وفرتها فإِن المسلم قد يطرق باباً واحداً ويغفل عن بقيتها! فيحرم نفسه ويضيع عمرها هباءً!!
قد يصوم ولا يقوم أو يقوم ولا يتصدق، أو يتصدق ولا يقرأ القرآن أو يصوم بطنه ولا تصوم جوارحه، أو يصوم النهار ولا يصوم الليل فيمتنع عن الحلال نهاراً (الأكل و الشرب)، ويفطر على المعاصي ليلاً (الدخان والفيلم)، وإِذا غلبك شيطانك في رمضان فإِنك لن تغلبه غالباً في غيره!! إِلا أن يشاء الله.
¥