[ثقافة الصورة]
ـ[إبراهيم توفيق]ــــــــ[25 - 08 - 08, 03:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ثقافة الصورة وفتنة التصوير
يتأثر القلب تأثراً وجدانياً عاطفياً بما يصل إليه من خلال قنوات أربع: كلها في الرأس، هي: العين، والأذن، والإدراك، واللسان.
ولعل أقوى هذه القنوات تأثيراً هي العين. فالقلب يتأثر بالخبر الذي يصله عن طريق السمع، أو بالفكرة التي يتخيلها عن طريق الإدراك، أو بالكلمة التي ينطقها بجارحة اللسان. ولكنه بلا شك يهتز اهتزازاً عنيفاً للصورة التي يراها؛ حباً أو بغضاً، رغبة أو رهبة، تعظيماً أو تحقيراً، عشقاً أو نفوراً.
فالصورة من أشد وسائل التأثير على القلب، وأقواها سلطاناً عليه.
والقلب سيّد الجوارح وسلطانها؛ لا ينطلق اللسان إلا بأمره، ولا تنظر العين إلا بإشارته، ولا تسمع الأذن إلا بهواه، ولا تتحرك اليدان والرجلان إلا بإرادته. فهو ملك الجوارح، وعليه مدار التكليف.
قال الله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
ولهذا كانت عناية الإسلام بالقلب، وما يصل إليه، وما يتأثر به، كبيرة جداً. فقد جاء في الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). والنية محلها القلب.
فأعمال الإنسان وأحواله، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب من الله سبحانه وتعالى، إنما هي موقوفة على ما في القلب من خير أو شر وصل إليه، واستقر فيه من طريق القنوات الأربع المذكورة آنفاً، ومن أبرزها العين التي تلتقط الصورة المؤثرة وترسلها إلى القلب، فيضطرب أو يسكن، يزيغ أو يستقيم، يضل أو يهتدي، يشقى أو يسعد. وبالتالي فإن للصورة على القلوب سلطاناً قاهراً، وتأثيراً عميقاً.
والإسلام يقرر أن العلاقة بين العباد والمكلفين بالطاعة والعبودية لله تعالى وبين إلههم وخالقهم سبحانه إنما يكون منبعها ومستقرها القلب.
فهو يحوط القلب بعناية خاصة، لكي يظل خالصاً لله سبحانه، سالماً من شوائب الشرك والفتنة التي تلقى إليه من قنوات التأثير الخارجي الأربع؛ السمع والبصر والإدراك واللسان.
قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).
وقال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم).
ومن أعظمها تأثيراً على القلب ما تلقيه العين من صور خارجية يهتز لها القلب ويضطرب.
والصورة إما أن تكون للأشياء أو لذوات الأرواح.
وصور الأشياء لا تخرج عن وصفين إما الجمال أو القبح.
أما صور ذوات الأرواح فإنها تحمل وصفين آخرين هما سر انحراف البشرية من لدن نوح عليه السلام إلى يومنا هذا عن الالتزام بالعبودية الخالصة لله تعالى الواحد القهار.
أحدهما: التعظيم والتقديس المفضيان إلى العبادة.
والثاني: الافتتان بالصور الجميلة، وبما فيها من دواعي الشهوة والإثارة والعصيان.
وما ضلت البشرية عن ربها، وما أعرضت عن وظيفة العبودية التي خلقت لها بشيء هو أعظم من تقديسها للصورة، أو افتتانها بالصورة.
&6 nbsp; فالمعابد الوثنية، والكنائس اليهودية والنصرانية، وسائر دور العبادة في الديانات الجاهلية، تعنى عناية فائقة بصور عظمائها وقديسيها ورهبانها وحتى أنبيائها، وتصنع لهم الهياكل والأصنام، لتقديسهم وتعظيمهم ثم التعلق بهم وعبادتهم من دون الله.
وما ذلك إلا لما يحدثه سلطان الصورة من أثر عميق في نفوسهم، سواء كانت هذه الصور مرسومة أو منحوتة مجسمة، حتى إن الأمر ليبل DB بهم درجة الخضوع والعبادة التي لا تنبغي إلا لله جل وعلا.
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن أم سلمة رضي الله عنها، ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة،وما فيها من الصور، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور،أولئك شرار الخلق عند الله).
¥