ثالثاً: إذا أردتم الأخذ بظاهر الأثر المروي عن ابن عباس فإن ابن عباس إنما قال: (أفطرتا وأطعمت) ولم يذكر القضاء والقول بأن ابن عباس لم يذكر القضاء لكونه معلوماً محل نظر ورد في بعض الروايات أنه قال: (أفطرتا وأطعمتا ولم تقضي) والأقرب -والله تعالى أعلم- كما ذكرنا أن الحامل والمرضع عليهما القضاء فقط ولا يجب عليهما الإطعام وهذا هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-.
إذن: الحامل والمرضع إذا أفطرتا بسبب الحمل أو بسبب الرضاعة فيجب عليهما القضاء فقط ولا يجب عليهما الإطعام على الصحيح من قولي الفقهاء.
إذن: خلاصة الكلام في هذه المسألة أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا بسبب الحمل والرضاعة فعلى المذهب أن لهما ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: إذا أفطرتا خوفاً على أنفسهما فعليهما القضاء فقط.
الحالة الثاتية: إذا أفطرتا خوفاً على أنفسهما وولديهما فعليهما القضاء فقط.
الحالة الثانية: إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما فقط قولان:
القول الأول: عليهما القضاء والإطعام عن كل يوم مسكيناً.
القول الثاني: ليس عليهما إلا الإطعام ولا يجب عليهما القضاء.
القول الثالث: عليهما القضاء فقط وقلنا: إن هذا هو القول الراجح في المسألة وهو الأقرب لظاهر الآية الكريمة ? فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? وإيجاب الإطعام على الناس يحتاج إلى دليل ظاهر وأما ما روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فهو من اجتهاده -رضي الله تعالى عنه- على أن القول بأن الحامل والمرضع تطعمان ولا تقضيان فيه إشكال لأن ظاهر الآية الكريمة أن كل من أفطر وهو قادر على القضاء فإنه يجب عليه القضاء فالمسافر يجب عليه القضاء إذا أفطر, المريض يجب عليه القضاء وكان مرضه يرجى برؤه يجب عليه القضاء, هكذا أيضاً الحامل والمرضع.
ومما يؤيد هذا ما جاء في حديث أنس بن مالك الكعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحبلى والمرضع الصوم) [أخرجه أبو داود وغيره بسند جيد].
فهنا قرن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الحبلى والمرضع وبين المسافر ومن المعلوم أن المسافر يجب عليه القضاء بإجماع هكذا أيضاً الحبلى والمرض يجب عليهما القضاء قياساً على المسافر وأيضاً قياساً على المريض.
فإذن يكون القول الراجح في هذه المسألة: أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا يجب عليهما القضاء فقط مطلقاً سواء خافتا على أنفسهما أو على أنفسهما وولديهما أو على ولديهما هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
القسم الرابع: العاجر عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه قال: (فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكين) ويصح أن يقول: يُطعِم عن كل يوم مسكيناً.
(العاجز عن الصيام لكبر) بعض الناس إذا تقدمت به السن يشق عليه الصوم فلا يستطيع أن يصوم وهذا الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا شق عليهما الصيام جاز لهما الفطر ويطعمان عن كل يوم مسكيناً ويدل على ذلك قول ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في قول الله - عز وجل-: ? وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ? قال: (كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكين) فكانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام يعني: لا يستطيعان الصيام فيفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكيناً، هذا مروي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وأن الآية ليست منسوخة في حق الشيخ الكبير والشيخة الكبيرة وإنما منسوخة في حق غيرهما.
وكذلك أيضاً (المريض مرضاً لا يرجى برؤه) فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً وتقدير المرض الذي لا يرجى برؤه يرجع للأطباء إذا قال الأطباء إن هذا المرض لا يرجى برؤه في علم البشر فيطعم عن كل يوم مسكيناً.
هناك أمراض معروفة أنها لا يرجى برؤها في علم البشر- إلا أن يشاء الله تعالى- كمرض السرطان والفشل الكلوي ونحو ذلك فمثل هذه الأمراض نقول: يفطر أصحابها مع الإطعام عن كل يوم مسكيناً.
¥