تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجهة الأخرى لأن كل ذي ظل يقع في الجهة المقابلة للجرم المضىء فمتى أشرقت عليها من ناحية الشرق وقعت أظلالها في ناحية الغرب وإذا وقعت عليها من ناحية الغرب مالت أظلالها إلى ناحية المشرق والأرض أصغر من جرم الشمس بكثير فينبعث ظلها ويرتفع في الهواء على شكل مخروط قاعدته قريبة من تدوير الارض ثم لا يزال ينخرط تدويره حتى يدق ويتلاشى لأن قطر الشمس لما كان أعظم من قطر الأرض فالخطوط الشعاعية المارة من جوانب الشمس إلى جوانب الأرض تكون متلاقية لا متوازية فإذا مرت على الاستقامة إلى الأرض انقذفت على جوانبها فتلتقي لا محالة إلى نقطة فينحصر ظل الأرض في سطح مخروط فيكون مخروطا لا محالة قاعدته حيث ينبعث من الأرض ورأسه عند نقطة تلافي الخطوط ولو كان قطر الأرض مساويا لقطر الشمس لكانت الخطوط الشعاعية تخرج إليها على التوازي فيكون الظل متساوي الغلظ إلى أن ينتهي إلى محيط العالم ولو كان قطر الشمس أصغر من قطر الأرض لكانت الخطوط تخرج على التلاقي في جهة الشمس وأوسعها عند قطر الأرض ولكان الظل يزداد غلظا كلما بعد عن الأرض إلى أن ينتهي إلى محيط العالم ويلزم من ذلك أن ينخسف القمر في كل استقبال والوجود بخلافه ولما ثبت أن ظل الأرض مخروطي الشكل وقد وقع في الجهة المقابلة لجهة الشمس فيكون نقطة رأسه في سطح فلك البروج لا محالة ويدور بدوران الشمس مسامتا للنقطة المقابلة لموضع الشمس وهذا الظل الذي يكون فوق الأرض هو الليل فإن كانت الشمس فوق الأرض كان الظل تحت الرض بالنسبة إلينا ونحن في ضياء الشمس وذلك النهار والزمان الذي يوازي دوام الظل فوق الأرض هو زمان الليل فإذا اتفق مرور القمر على محاذاة نقطتى الرأس والذنب حالة الاستقبال يقع في مخروط الظل لا محالة لأن الخط الخارج من مركز العالم المار بمركز الشمس ثم بمركز القمر من الجانب الآخر ينطبق على سهم مخروط الظل فيقع القمر في وسط المخروط فينخسف كله ضرورة لأن الأرض تمنعه من قبول ضياء الشمس فيبقي القمر على جوهرة الأصلى فإن كان للقمر عرض ينحرف عن سهم المخروط بقي الضوء فيه بقدره وطبعه وقد يقع كله في المخروط ولكن يمر في جانب منه وقد يقع بعضه في المخروط ويبقي بعضه خارجا وربما يماس مخروط الظل ولا يقع من جرمه شيء وإنما يختلف هذا باختلاف بعده من الخط الخارج من مركز العالم المار بمركز الشمس المطابق لسهم المخروط حتى إذا عظم عرضه بأن لا يبقى بينه وبين إحدى نقطتي الرأس والذنب أكثر من ثلاثة عشر دقيقة لا يماس المخروط أصلا وإذا وقع في جانب منه قل مكثه وربما لم يكن له مكث أصلا وإنما يعرف ذلك بتقديم معرفة قطر الظل وقطر يختلف باختلاف أبعاده عن الأرض وكذلك قطر الظل أيضا يختلف باختلاف أبعاد الشمس عن الأرض فإن الشمس متى قربت من الأرض كان ظل الأرض دقيقا قصيرا وإذا بعدت عنها كان ظل الأرض طويلا غليظا لأنها متى بعدت عن الأرض يرى قطرها أصغر وأقرب تلاقيا منها وكلما كان أعظم مقدارا في رأى العين فالخطوط الشعاعية أقصر وأقرب تلاقيا فلذلك يختلف قطع القمر غلظ الظل في أوقات الكسوفات والموضع الذي يقطعة القمر من الظل يسمونه فلك الجوزهر وإذا عرف عرف قطر الظل وعرف مقدار قطر نصف القمر وجمع بينهما ونصف ذلك وعرف عرض القمر إن كان له عرض فإن كان العرض مساويا لنصف مجموع القطرين فإن القمر يماس دائرة الظل ولا ينكسف وإن كان العرض أقل من نصف مجموعهما فإنه ينكسف فينظر إن كان مساويا لنصف قطر الظل انكسف من القمر مثل نصف صفحته وإن كان العرض أقل من نصف قطر الظل فينتقص العرض من نصف قطر الظل فإن كان الباقي مثل قطر القمر انكسف كله ولا يكون له مكث وإذا لم يكن له عرض انكسف كله ويمكث زمانا أكثر وأطول ما يمتد زمان الكسوف القمري أربع ساعات وأما زمان لكسوف الشمسى فلا يزيد على ساعتين وكسوف القمر يختلف باختلاف أوضاع المساكن إذ الكسوف عارض في جهة وهو عبوره في ظلام ظل الأرض بخلاف كسوف الشمس وإنما يختلف الوقت فقط بأن يكون في بعض المساكن على مضى ساعة من الليل وفي بعضها على مضى نصف ساعة وقد يطلع منكسفا في بعض المساكن وينكسف بعد الطلوع في بعضها وقد لا يرى منكسفا أصلا إذا كانت الشمس فوق الأرض حالة الاستقبال ويرى الخسوف في القمر أبدا يكون من طرفه الشرقي إذ هو الذاهب إلى الاستقبال نحو للشرق والدخول في الظل بحركته ثم ينحرف قليلا قليلا إلى الشمال أو الجنوب في بدء انجلائه أيضا من طرفه الشرقي وأما في الشمس فبدء الكسوف من طرفها الغربي إذ الكاسف لها يأتي إليها من ناحية الغرب وكذلك الانجلاء أيضا من الطرف الغربي لكن بانحراف منه إلى الشمال والجنوب وإنما ذكرنا هذا الفصل ولم يكن من غرضنا لأن كثيرا من هؤلاء الأحكاميين يموهون على الجهال بأمر الكسوف ويؤهمونهم إن قضاياهم وأحكامهم النجومية من السعد والنحس والظفر والغلبة وغيرها هي من جنس الحكم بالكسوف فيصدق بذلك الأغمار والرعاع ولا يعلمون أن الكسوف يعلم بحساب سير النيرين في منازلهما وذلك أمر قد أجرى الله تعالى العادة المطردة به كما أجراها في الأبدار والسرار والهلال فمن علم ما ذكرناه في هذا الفصل علم وقت الكسوف ودوامه ومقداره وسببه وأما انه يقتضي من التأثيرات في الخير والشر والسعد والنحس والإماتة والإحياء وكذا وكذا مما يحكم به المنجمون فقول على الله وعلى خلقه بما لا يعلمون نعم لا ننكر أن الله سبحانه يحدث عند الكسوفين من أفضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم ويجعل الكسوف سببا لذلك ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالفزع إلى ما ذكر الله والصلاة والعتاقة والصدقة والصيام لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببا لما جعله فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه.

مفتاح دار السعادة 2/ 463 - 470

فماذا بعد الحق الا الضلال؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير