5 - أن رفع الصوت بالمكبرات الخارجية ليس من توقير كتاب الله وتعظيمه، فيخرج هذا الصوت خارج المسجد ويبقى كثير من الناس لا ينصتون بل هم مشغولون عنه، بل المشاهد أن الإمام يقرأ القرآن بواسطة هذه المكبرات، وبعض الناس في بيوتهم يسمعون القرآن ولا ينصتون، بل إنك لربما تجد بعضهم يستمع إلى الموسيقى والأغاني، أو يرقص في بيته، والإمام بجواره يقرأ القرآن، بل وقد تكون الأسواق عامرة بالناس بيعاً وشراءً، ولاسيما وقت صلاة التراويح، وما يتبع ذلك من لغط وكذب وغش وخداع ومنكرات، والقرآن يتلى على رؤوسهم!! وهذا كما لا يخفى خلاف ما أمر الله به، وبناء عليه فليس من تنزيه كتاب الله تعالى وتوقيره أن يرفع الإمام صوته بالقرآن من خلال أجهزة المكبرات الخارجية، فهذا من الجهر المكروه إن لم يكن من الجهر المحرم، وهو من المضارة بالقرآن الكريم.
مسألة: هل يوجد في الشرع ما يدل على استحباب استعمال هذه المكبرات في الصلاة، والجهر بالقرآن الكريم بها؟
أقول – وبالله التوفيق – أن في القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ما يدل على المنع من استخدام المكبرات الصوتية الخارجية في غير الأذان.
فمن أدلة القرآن الكريم:
قول الله U : ] ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين [الأعراف (55) وقوله تعالى عن عبده الصالح زكريا u ، وكيف كان يدعوه، وصفة صلاته] ذكر رحمت ربك عبده زكريا % إذ نادى ربه نداءً خفياً [مريم (2، 3) وقوله U : ] واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال، ولا تكن من الغافلين [الأعراف (205).
ففي هذه الآيات الكريمات دلالة وإرشاد إلى أنه يجب أن تكون صلاتنا بخشوع وتضرع وخوف وسكينة، وخفية، لا بالضجيج والصياح والصراخ، والجهر الزائد عن قدر الحاجة، فالأصل في الصلاة السرية الإسرار، وفي الجهرية الجهر اليسير الذي يكون بقدر الحاجة من إسماع المأمومين، أو تنشيط على قيام الليل، بحيث لا يخرج عن آداب الضراعة والخوف من الله سبحانه وتعالى، فيكون الدعاء أو الصلاة أبعد عن الرياء والسمعة، وأقرب إلى الإخلاص والقبول، وفي الجهر بالصلاة أو القرآن أو الدعاء وغير ذلك عبر هذه المكبرات مخالفة صريحة لهذه النصوص الكريمة، فنحن ندعو سميعاً قريباً مجيباً لا أصم غائباً.
من أدلة السنة النبوية:
ومن أدلة السنة النبوية على المنع من استعمال المكبرات الصوتية الخارجية في غير الأذان.
ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في وصف قراءة رسول الله r في قيام الليل، قال: "كانت قراءة النبي r على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت" أخرجه أبو داود، كتاب التطوع، باب في صلاة الليل، وقال عنه الألباني حسن صحيح.
فإذا كان هذا هو هدية عليه الصلاة والسلام لاسيما في صلاة الليل، وهو الأسوة، يسمعه من كان في الحجرة، ولا يبلغ ذلك، ولا يجهر بقراءته إلى كل من في البيت، فحرى بالمسلمين اليوم أن يهتدوا بهديه ويعملوا بسنته، ولا يؤذون النائمين وغيرهم بواسطة هذه المكبرات.
وعند أبي داود أنه r اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: " ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذيين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة " رواه أبو داود، كتاب التطوع، بابٌ في صلاة الليل، والحديث صححه للألباني.
وهذا إذا كان الجهر لا يؤذي أحداً، أو لا يشوش على أحد، وفيه مصلحة وحاجة، وإلاّ فإن الله U يقول:] إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها أو تؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير [البقرة (271).
فالإخفاء خير لنا وأبعد عن الرياء المحبط للأعمال، وهو سبحانه عليم خبير بأحوال عباده وأعمالهم، سواء من أسر منهم القول أو جهر به.
فهذه الأحاديث نصوص قاطعة، مؤيدة لما ذكرت من عدم استحباب استعمال هذه المكبرات في غير الأذان، وأن الأصل هو عدم رفع الصوت بالذكر والقراءة والدعاء، إلاّ بالقدر الذي ورد للمصلحة أو الحاجة كما أسلفنا.
كما أن هناك أيضاً نصوص أخرى قد يستدل بها على المنع من الصلاة بهذه المكبرات ومنها:
¥