والذين اعتبروا أفعالَه دونَ أقواله، فرَّقوا بفرقين، أحدهما: أن إسقاطَ أفعاله ذريعةٌ إلى تعطيل القِصاص، إذ كُلُّ من أراد قتل غيره أو الزنى أو السرقة أو الحِراب، سَكِرَ وفعل ذلك، فيقام عليه الحدُّ إذا أتى جرماً واحداً، فإذا تضاعف جُرمُه بالسكر كيف يسقط عنه الحدُّ؟ هذا مما تأباه قواعدُ الشريعة وأصولها، وقال أحمد منكراً على من قال ذلك: وبعضُ من يرى طلاق السكران ليس بجائز، يزعم أن سكران لو جنى جناية، أو أتى حداً، أو تركَ الصيام أو الصلاةَ، كان بمنزلة المْبَرسَمِ والمجنون، هذا كَلامْ سوء.
والفرق الثانى: إن إلغاء أقواله لا يتضمَّن مفسدة، لأن القول المجردَ مِن غير العاقل لا مفسدة فيه بخلاف الأفعال، فإن مفاسدها لا يُمكن إلغاؤها إذا وقعت، فإلغاءُ أفعاله ضررٌ محض، وفسادٌ منتشر بخلاف أقواله، فإن صحَّ هذان الفرقان، بطلَ الإلحاق، وإن لم يصحا، كانت التسويةُ بين أقواله وأفعاله متعينة.
وأما المأخذ الثانى وهو أن إيقاع الطلاق به عقوبةٌ له ففى غاية الضعف، فإن الحدَّ يكفيه عقوبة، وقد حصل رضى الله سُبحانه من هذه العقوبة بالحد، ولا عهد لنا فى الشريعة بالعُقوبة بالطلاق، والتفريق بين الزوجين.
وأما المأخذُ الثالث: أن إيقاعَ الطلاق به من ربط الأحكام بالأسباب، ففى غاية الفساد والسقوط، فإن هذا يُوجب إيقاعَ الطلاق ممن سكر مُكرهاً، أو جاهلاً بأنها خمر، وبالمجنون والمُبَرْسَم، بل وبالنائم، ثم يُقال: وهل ثبت لكم أن طلاقَ السكران سببٌ حتى يُربط الحكمُ به، وهل النزاعُ إلا فى ذلك؟
وأما المأخذ الرابع: وهو أن الصحابة جعلوه كالصاحى فى قولهم: إذا شرب، سَكِرَ، وإذا سَكِرَ، هذى. فهو خبر لا يصح البتة.
قال أبو محمد ابن حزم: وهو خبر مكذوب قد نزه الله علياً وعبد الرحمن بن عوف منه، وفيه من المناقضة ما يدل على بُطلانه، فإن فيه إيجاب الحد على من هذى، والهاذى لا حدَّ عليه.
وأما المأخذْ الخامس، وهو حديث: "لا قيلولة فى الطلاق"، فخبر لا يَصِحُّ، لو صحَّ، لوجب حملُه على طلاق مكلِّف يعقِلُ دون من لا يعقِل، ولهذا لم يدخل فيه طلاقُ المجنون والمُبرْسَم والصبى. وأما المأخذ السادس، وهو خبر: "كلُّ طلاق جائز إلا طلاق المعتوه"، فمثله سواء لا يصح، ولو صح، لكان فى المكلف، وجواب ثالث: أن السكران الذى لا يَعقِلُ إما معتوه، وإما مُلحق به، وقد ادعت طائفة أنه معتوه. وقالوا: المعتوه فى اللغة: الذى لا عقل له، ولا يدرى ما يتكلم به. وأما المأخذ السابعُ: وهو أن الصحابة أوقعوا عليه الطلاقَ، فالصحابةُ مختلفون فى ذلك، فصح عن عثمان ما حكيناه عنه.
وأما أثر ابنِ عباس، فلا يَصِحُّ عنه، لأنه من طريقين، فى أحدهما الحجاج بن أرطأة، وفى الثانية إبراهيم بن أبى يحيى، وأما ابنُ عمر ومعاوية، فقد خالفهما عثمان بن عفان] اهـ.
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[01 - 09 - 08, 11:32 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
على هذا البيان المفيد والنقل الطيب أسال الله أن يرزقك الفردوس الأعلى